لقد أتاح نجاح العملية الانتخابية في العراق، فرصة ثمينة ونادرة لمستقبله. وإنه لمن الأهمية بمكان أن ينجح التحول المنشود للعراق. أما من جانبي، فإنني لعلى عزم على أن تلعب الأمم المتحدة دورها كاملاً في مساعدة العراقيين على تحقيق ذلك الهدف. ولكن من المهم بالقدر نفسه أن يدرك المجتمع الدولي - الذي طالما نشبت الخلافات الحادة بينه حول العراق- أننا نشترك الآن في أجندة عمل واحدة، تتمثل في الانتقال بالعراق من مرحلة النجاح الأولى التي أحرزها عبر انتخاباته الديمقراطية، إلى مستقبل سلمي مزدهر وديمقراطي. وضمن هذا الإدراك، يمكن حتى للندوب التي خلفتها خلافات ما قبل الحرب، أن تتحول إلى فرصة لصالح التحول الديمقراطي للعراق. وعلى وجه التحديد، لما كانت الأمم المتحدة لم تبدِ موافقتها على بعض الإجراءات المبكرة التي اتخذت حيال العراق، فهي تتمتع اليوم بالكثير من المصداقية التي طالما يحتاجها العراقيون، خاصة لما تتمتع به الأمم المتحدة من علاقات مع مختلف الفصائل والمجموعات العراقية، بما فيها تلك التي لا مناص من مشاركتها في العملية السياسية، إن كان للسلام أن يسود. والآن فقد حانت لحظة الاعتماد على ذلك الرصيد السياسي. ومن ناحيتي، فإنني راغب في اقتناص هذه الفرصة، ومن هنا فأنا أدعو المجتمع الدولي للتوحد حول العراق، تحت مظلة الأمم المتحدة.
وبالطبع فما من أحد، فاته أن يرى مدى البسالة التي أبداها العراقيون في إقدامهم نحو صناديق الاقتراع. وفي هذا تفخر الأمم المتحدة بالمساعدات التي قدمتها للعراقيين، بغية إنجاح حملتهم الانتخابية، سواء تعلق الأمر بتمهيد المناخ السياسي لإجراء الانتخابات، أم بالاستعدادات الفنية اللازمة للعملية الانتخابية ذاتها. فقد ساعدت الأمم المتحدة في صياغة القانون الانتخابي، وتشكيل اللجنة الوطنية الانتخابية المستقلة التي أشرفت على إجراء الانتخابات. إلى جانب ذلك، فقد تم دعم اللجنة الوطنية الانتخابية هذه، بفريق مؤلف من 50 من موظفي الأمم المتحدة، باشروا مهامهم من كل من بغداد وعمان ونيويورك. كما بادرت الأمم المتحدة بتدريب أعضاء اللجنة الوطنية ومئات الموظفين الانتخابيين العراقيين، الذين قاموا بدورهم بتدريب الآلاف، إضافة إلى ما قدمناه لهم من مشورة ودعم عبر العملية الانتخابية كلها.
وفي اعتقادي أن بوسعنا المشاركة في المرحلة التالية أيضا: صياغة وإعداد الدستور. وفي هذه المرحلة، ينبغي أن يكون دعمنا سياسياً وفنياً في ذات الوقت. على المستوى السياسي، ينخرط الآن ممثلي الخاص "أشرف جيهانجير غازي"، في إجراء الاتصالات والمحادثات مع تلك المجموعات التي تغلب عليها العناصر العربية السنية، التي أقصت نفسها من العملية الانتخابية، إلا أنها تطمح إلى تحقيق أهدافها عبر وسائل الحوار والتفاوض السلميين. ويعد النجاح في هذا المسعى أمراً حاسماً لابد منه. وتبطن بعض المجموعات حنقاً ما بعده حنق على الاحتلال الأجنبي، إلى جانب شعورها بأنها استبعدت من العملية السياسية. ولابد لنا من بذل أقصى ما نستطيع، في سبيل إشراك هذه المجموعات في العملية السياسية. وبقدر نجاحنا في إشراك هذه المجموعات، بقدر ما نضمن نجاح العملية السياسية برمتها.
وبالطبع فإن المتوقع أن يكون الدستور الجديد، دستوراً وطنياً عراقياً، يحدد العراقيون وحدهم، شكله ومضمونه وملامحه. لكن وفيما لو طلب منا العراقيون تقديم المساعدة الفنية القانونية فيه، وأحسب أنهم سيفعلون، فإن لنا في هذا المجال، باعاً طويلاً يستطيعون التعويل عليه. وما أن يتم الفراغ من إعداد مسودة الدستور الدائم، حتى يجرى استفتاء شعبي عام حولها، في شهر أكتوبر المقبل، كي يكون لكافة العراقيين، صوت ورأي فيها. ونتوقع من جانبنا أن نكون على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم للجنة الوطنية الانتخابية العراقية، بغية إجراء الاستفتاء المتوقع، فضلاً عن دعمها في الانتخابات البرلمانية التي تلي الاستفتاء على مسودة الدستور. وسوف يكون ذلك الدعم، امتداداً طبيعياً للدعم الذي قدمناه لها في إجراء انتخابات الثلاثين من يناير المنصرم، ومساعدتنا الحالية في تدقيق وتأكيد صحة نتائج تلك الانتخابات، لحظة إعلانها.
كما سيكون في وسع الأمم المتحدة، تقديم الدعم الفني للوزارات العراقية الناشئة حديثاً. وهناك الكثيرون ممن يظنون أنه ليس ثمة وجود يذكر لمنظمتنا في العراق، بسبب الظروف الأمنية السائدة الآن، إذ لا يوجد سوى 200 موظف دولي تابعين للمنظمة، معظمهم من الحراس. أقول رداً على هذا الاعتقاد، إنه خاطئ من ناحيتين، أولاهما أن للأمم المتحدة عدداًَ كبيراً من الموظفين العراقيين، وثانيتهما أن الجزء الأعظم من مساعدات التدريب والاستشارات الفنية والمساعدات المالية والتنسيق وغيرها، يمكن القيام به من خارج الحدود العراقية، دون أن يؤثر ذلك سلباً على حضور المنظمة ولا على أدائها. وبلغة الأرقام فإن هناك حوالي 23 وكالة وبرنامجاً تابعين للأمم المتحدة، تعمل مع بعضها بعضاً، في تنسيق جهود المساعدات الدولية في عملية إعا