ماكين لم يتردد في دعمه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي قناعته بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقديم الدعم المعنوي لهؤلاء الذين يكافحون من أجل الحرية في جميع أنحاء العالم. لا يزال العديد من الصحفيين السياسيين يتذكرون الأوقات التي أمضوها مع السيناتور الجمهوري جون ماكين (ولاية أريزونا) في حافلة «ستريت توك إكسبريس» التي كانت تملؤها الضحكات، التي كان يستقلها أثناء حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2000 التي خسرها. كانت ذكريات سفري مع السيناتور مليئة بالمرح والصخب، حيث كنا نشق طريقنا بصعوبة وسط مخيم موحل للاجئين في صربيا، وعاماً بعد عام، ومن دون أي منفعة سياسية معينة، كان «ماكين» يسافر إلى مناطق نائية من العالم نادراً ما يذهب إليها السياح، ويصطحب معه ما يستطيع من أعضاء مجلس الشيوخ أو الكونجرس، بغض النظر عن آرائهم الأيديولوجية أو الحزب الذي ينتمون إليه، وفي الوقت نفسه، يمنح «معهد ماكين للقيادة الدولية» ملاذاً مؤقتاً في واشنطن العاصمة وأريزونا للناشطين «الديمقراطيين» القادمين من نفس تلك المناطق النائية. في وقت أصبحت فيه القيادة الأميركية العالمية موضع شك على نحو لم يحدث من قبل في العصر الحديث، لدينا ما نتعلمه من هذا الالتزام. وماكين هو ماكين، عندما سألته خلال محادثة جرت بيننا مؤخراً في مكتبه في مجلس الشيوخ عن الأسباب التي تجعله يكرس قدراً كبيراً من طاقته للقيام بمثل هذه الرحلات، ابتعد عن التصريحات الكبيرة وبدأ في سرد القصص بدلاً من ذلك. وتحدث عن الوقت الذي ساعد فيه على منع انقلاب مستوحى من روسيا في دولة الجبل الأسود الصغيرة في منطقة البلقان. وحكى عن سيره في طرابلس، ليبيا، مع السفير الأميركي «كريستوفر ستيفينز» في عام 2012، فيما كان العشرات ثم المئات ثم الآلاف من الليبيين يتجمعون ويصيحون «شكراً، أميركا» بعد الدور الذي قامت به الولايات المتحدة في الإطاحة بمعمر القذافي. وقص لي عن لقائه مع السجناء السياسيين السابقين في بورما والذين بدؤوا في الصياح عندما سمعوا صوته في راديو «صوت أميركا» وهو يتحدث عن حقوق الإنسان. وقال لي ماكين: «إذن، فالمكافأة هي لي وليست لهم». مثل العديد من الناس، كنت أهتف بابتهاج تارة وبخيبة أمل تارة أخرى عند سماع مواقف ترامب من مختلف المسائل الداخلية على مر السنين – وأعربت عن إعجابي بموقفه عندما ساعد على إنقاذ برنامج أوباماكير للرعاية الصحية قبل بضعة أشهر، بينما عبرت عن إحباطي منه عندما وافق على مشروع قانون التخفيضات الضريبية الذي قدمه «الجمهوريون» هذا الشهر، بيد أن «ماكين» لم يتردد في دعمه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي قناعته بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تقديم الدعم المعنوي لهؤلاء الذين يكافحون من أجل الحرية في جميع أنحاء العالم. ومع قيام الرئيس ترامب بالتعبير في الكثير من الأحيان عن مزيد إعجابه بالزعماء الديكتاتوريين، أصبحت دعوة ماكين أكثر وحدة - وأكثر أهمية. ولم تكن دعوته دائماً ناجحة، كما توضح الحكايات التي يقصها، فقد انزلقت ليبيا في حرب أهلية، وقتل السفير «ستيفنز» بعد شهرين من نزهة يوم الانتخابات عبر طرابلس. وفي بورما، على الرغم من أن أيقونة حقوق الإنسان السابقة «أونج سان سو تشي» قد أصبحت هي المسؤولة اسمياً، إلا أنها تترأس حملة للتطهير العرقي لشعب الروهينجا. يقول ماكين إن «الجزء السهل هو الثورة، لكن الجزء الصعب هو الديمقراطية... من الواضح أن التوجه يمضي في الاتجاه الخطأ». وأضاف أن من أسباب ذلك «عدم وجود قيادة أميركية»، الأمر الذي يعتقد أنه تسارع في عهد أوباما. ويحاول ماكين في معظم الأحيان كبح جماح انتقاداته للمسؤول الحالي، على الرغم من أنه قد يتفوه أحياناً بمثل هذه التصريحات اللاذعة. وعلى سبيل المثال، فقد قال لي: «ربما يتعين علينا أن يكون لدينا قاعدة وهي أن يستيقظ مستشار الأمن القومي إتش آر ماكماستر في الخامسة صباحاً». لكنه لا يخفي مدى قلقه من التيارات الأعمق التي تذكره بالحركات الأكثر قتامة في ثلاثينيات القرن الماضي: القومية، والاعتداءات على حرية الصحافة وسيادة القانون، وإلقاء اللوم على المنافسة الأجنبية كونها السبب في جميع الآفات، وزيادة التطرف. وقال «ماكين»: «إنني أخشى من الاستقطاب الذي يحدث هنا». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»