تغطي المحيطات والبحار نحو 70% من مساحة كوكب الأرض، وتقدم خدمات أساسية تتمثل في الأمن الغذائي، والأنشطة الاقتصادية مثل النقل البحري، والسياحة، وتوفير الموارد، كما تعتبر المحيطات أحد أهم عناصر الحياة، حيث إن 50% من الأكسجين الذي نتنفسه مصدره العوالق النباتية البحرية، بالإضافة إلى ذلك تلعب المحيطات دوراً مهماً في تنظيم مناخ كوكبنا. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ارتبط البحر ارتباطاً وثيقاً بحياة أجدادنا، وامتد هذا الارتباط إلى الأجيال الحالية. ففي الماضي شكل صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ والتجارة البحرية مصدراً مهماً من مصادر الدخل كما كان البحر الرابط بين دولة الإمارات ودول الخليج العربي وبقية دول العالم. وسواء في المناطق الساحلية أو الداخلية ارتبطت حياة أهلنا في أبوظبي ومختلف أنحاء الإمارات، بالبحر الذي شكل الملاذ الآمن ومصدر الخير الوفير، بيد أن الأنشطة البشرية وضعت المحيطات والبحار تحت ضغوط أثرت على كفاءة الخدمات التي تقدمها. ووفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) 2016، حول حالة المصايد السمكية والاستزراع السمكي، يتعرض 90% من المخزون السمكي العالمي للاستغلال المفرط بنسبة (28.8%) أو الاستغلال الكامل بنسبة (61.3%)، كما تزيد الأنواع الغازية التي يتم إطلاقها من مياه توازن السفن (الصابورة)، والملوثات الأخرى مثل الجزيئات البلاستيكية والنفايات من تدهور المحيطات، كذلك تتعرض المناطق الساحلية التي يزيد فيها تفاعل البشر مع المحيطات إلى ضغوط كبيرة ينتج عنها فقدان أو تدهور الموائل الرئيسة، حيث تتأثر جودة المياه البحرية بالتنمية الساحلية، والأنشطة المتراكمة لتحلية المياه. ومن المتوقع أن يشكل التغير المناخي أهم القضايا المستقبلية، حيث تتنبأ نماذج التغير المناخي الإقليمية إلى تناقص إضافي في المخزون السمكي بمقدار 26% بحلول عام 2090، مع زيادة درجة حموضة المحيطات التي تؤثر على عمليات التكاثر، وعلى قدرة الأسماك الصغيرة على البقاء. وحتى تحظى كل هذه القضايا باهتمام أكبر، اجتمع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي في مؤتمر الأمم المتحدة الرفيع المستوى لدعم تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة المعني بحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة، فنحن بحاجة لاتخاذ إجراءات على مستوى عالمي نظراً لارتباط البحار والمحيطات، حيث تهاجر الأنواع البحرية من مواقع التكاثر إلى مواقع التغذية، وينتقل الحطام البحري والجسيمات البلاستيكية البحرية لمسافات كبيرة، كما أن الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة ستؤثر على كافة المحيطات. وقد آن الأوان لتتحرك الدول معاً في هذا الشأن، حيث يهدف هذا المؤتمر الذي يتزامن مع اليوم العالمي للمحيطات إلى أن يكون نقطة التحول لوقف تدهور المحيطات، مما سينعكس إيجاباً على البشر وكوكب الأرض، ويعزز من مستوى الرفاهية. وفي أبوظبي نحن نعمل بمنتهى الجدية لتعزيز صحة بيئتنا البحرية، ونتخذ إجراءات صارمة للمحافظة عليها، وتحسين جودتها كلما أمكن، وذلك لحماية إرثنا البحري، ولضمان الاستخدام المستدام لمواردنا البحرية. ولنضمن حماية هذه الموائل المهمة خلال تنفيذ خطط التنمية والمشاريع التطويرية والنمو الاقتصادي في المناطق الساحلية، تتعاون هيئة البيئة - أبوظبي بشكل وثيق مع مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني، وغيره من شركائها الاستراتيجيين لتنفيذ خطة أبوظبي البحرية (2030)، وهي خطة شاملة ساحلية وبحرية لإمارة أبوظبي تتضمن 320 إجراءً إدارياً، وقد رُتبت هذه الإجراءات حسب الأولوية ليتم تنفيذها خلال 15 عاماً. تتناول هذه الخطة 10 تحديات رئيسة تشمل إطار التكيف مع التغير المناخي، جودة المياه البحرية، الترفيه والسياحة والاقتصاد الأزرق. والصلة بين البيئة البحرية النابضة بالحياة والنمو الاقتصادي واضحة، حيث توفر النظم البيئة البحرية خدمات تساهم بشكل مباشر في تعزيز جودة الحياة والأنشطة الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، قدرت دراسة أجريت في عام 2015 في أبوظبي القيمة الإجمالية للمياه الصالحة للشرب وجودة الشواطئ بحوالي 824 مليون دولار أميركي سنوياً، مقسمة بين الفوائد التي تحققها الفنادق والتي تبلغ 141 مليون دولار أميركي سنوياً (شمل التقييم 15 فندقاً فقط)، وحوالي 683 مليون دولار أميركي للأنشطة الاقتصادية التي يستفيد منها مرتادو الشواطئ خارج الفنادق. ومن الأمور الحاسمة لاتخاذ إجراءات فعالة لإدارة بيئتنا البحرية وحمايتها توفر بيانات دقيقة ومعرفة شاملة بالتنوع البيولوجي، ونحن في هيئة البيئة – أبوظبي نقوم منذ 15 عاماً بتنفيذ برنامج شامل لرصد الأنظمة البيئية والأنواع البحرية المهمة. وقد ساهمت البيانات التي تم جمعها من خلال هذا البرنامج في الوصول لفهم شامل عن حالة البيئة البحرية، الأمر الذي ساهم بإنشاء ست محميات بحرية في أبوظبي تشكل نحو 13.46% من مساحة البيئة البحرية بالإمارة. تشمل هذه المحميات البحرية موائل مهمة للمحافظة على الأنواع الرئيسة، مثل الأعشاب البحرية التي تتغذى عليها أبقار البحر والسلاحف الخضراء، وشواطئ تعشيش سلاحف منقار الصقر المهددة بالانقراض. ونقوم سنوياً، منذ عام 2000، بمراقبة موائل تعشيش سلاحف منقار الصقر، وعدد من السلاحف الأخرى، والتي يعتبر تعدادها مستقر في مياه أبوظبي. وتعتبر جزيرة بو طينة واحدة من أهم 10 موائل للسلاحف البحرية ضمن الشبكة العالمية للمواقع المهمة للسلاحف البحرية في المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا. كما تحتضن مياه أبوظبي ثاني أكبر تجمع لأبقار البحر في العالم بعد أستراليا، وساهمت الجهود التي تبذلها الهيئة في استقرار أعدادها خلال الـ15 سنة الأخيرة. وفي عام 2015 قمنا بتنفيذ المسح البحري الأول لموائل الدلافين، والذي أشارت نتائجه إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها أكبر تعداد من الدولفين الأحدب في العالم. وتعتمد الأنواع البحرية على موائل محددة، لذلك تحرص هيئة البيئة – أبوظبي على صحة هذه الموائل، وفي هذا الإطار أكملت الهيئة إعداد خرائط شاملة للموائل الطبيعية في أبوظبي مستخدمة أجهزة الاستشعار عن بعد، وتوفر هذه الخرائط معرفة تفصيلية حول نطاق هذه الموائل، وتستخدم هذه البيانات حالياً لدعم خطة أبوظبي البحرية وتحديد مواقع المحميات الطبيعية، بالإضافة إلى استخدامها في مراقبة تغير استخدامات الأراضي في المستقبل. تتميز بيئتنا البحرية بالاستقرار بشكل عام، إلا أننا نشارك العديد من دول العالم في تحدٍّ رئيس يتعلق بمصايد الأسماك، التي يتم استغلالها بشكل مفرط، حيث تناقص مخزون بعض أنواع الأسماك القاعية الرئيسة بمقدار 90%. واستجابة لهذا التحدي، نقوم بتنفيذ برنامج شامل لإدارة التغيير في مصايد الأسماك بهدف تحقيق قطاع صيد مستدام بيئياً ومستدام اقتصادياً ومسؤول اجتماعياً. كما نقوم حالياً بتنفيذ مسح شامل لتقييم الموارد السمكية في مياه دولة الإمارات العربية المتحدة لإكمال البيانات التي بدأنا في جمعها منذ 15 سنة، بالإضافة إلى المسح الاجتماعي والاقتصادي لمصايد الأسماك لضمان المحافظة على هذا الإرث لأجيال المستقبل، كما يجرى حالياً مراجعة وتحديث السياسات والقوانين المتعلقة بإدارة مصايد الأسماك التجارية والترفيهية. ـ ـ ـ ـ ـ ــ رزان خليفة المبارك* *أمين عام هيئة البيئة – أبوظبي