أجل، إن الفوز الكبير الذي حققه الوسطي إيمانويل ماكرون على مرشحة اليمين المتشدد الشعبوية مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية الفرنسية حال دون وقوع كارثة بالنسبة للديمقراطية الغربية. وهذه ليست مبالغة. فقد تعهدت لوبن بإخراج فرنسا من من منطقة اليورو والناتو والاتحاد الأوروبي، ما كان سيؤدي إلى نهاية الثلاثة معا، بما يسعد حليفها بوتين. فوز ماكرون أنهى الكابوس إذن، وأوقف صعود الشعبوية القومية المتشددة في أوروبا حالياً. لكن المعركة ضد القوى الظلامية الساعية لإضعاف الديمقراطيات الغربية لم تنتهِ بعد. وعليه، فلنلقِ في ما يلي نظرة على ما حققه فوز ماكرون وعلى ما لا يزال في حاجة لإظهاره. أولا؛ إن فوز ماكرون (39 عاماً) قلب رأسا على عقب النظريةَ القائلة إن مشاعر الاستياء من العولمة مصيرها هو دعم وتغذية الصعود المستمر للحركات الشعبوية، وهي نظرية كانت قد تقوت، بالطبع، بعد التصويت في بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. والواقع أن لوبن نفسها قالت خلال زيارة قامت بها مؤخراً إلى الكريملن، الذي ساعد في تمويل حملتها، «إن عالما جديدا قد ظهر خلال هذه السنوات الماضية. إنه عالم فلاديمير بوتين، وإنه عالم دونالد ترامب في الولايات المتحدة.. وأنا أتقاسم مع هذين البلدين العظيمين رؤيتهما للتعاون». وكان حلم إنشاء تحالف يجمع الزعماء الأوروبيين القوميين المتشددين الذين ينهون الاتحاد الأوروبي قد تعثر منذ الانتخابات النمساوية والهولندية الأقل أهمية، لكنه كان لا يزال حياً في انتظار فوز لوبين. غير أنه بإمكان المرء اليوم أن يقول إنه انتهى. وفي هذا السياق، يقول دانييل فرايد، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون الأوروبية: «إن فكرة تحالف دولي للشعبويين لم تعد قابلة للتحقيق». هذا ويقدم فوز ماكرون دليلا على أن تدخل روسيا في الحياة السياسية الغربية يمكن أن يأتي بنتائج عكسية (يذكر هنا أن حملة ماكرون تعرضت لعملية قرصنة خطيرة قبل الانتخابات). ومن جانبه، يقول لور ماندفيل، زميل المجلس الأطلسي: «لقد كان المرشحَ الأكثر إدراكا للتهديد الروسي». ويشار في هذا الصدد إلى أن ماكرون يرغب في زيادة المساهمة الفرنسية في الناتو وتعزيز العلاقات مع ألمانيا. ومما لا شك فيه أنه لن يؤيد إنهاء العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية تدخلها في أوكرانيا. وعليه، فبوسع المرء أن يعتبر بوتين الخاسر الأكبر من الانتخابات الفرنسية، وميركل الرابح الأكبر. وفضلا عن ذلك، فإن انتصار حزب ماكرون الوسطي الجديد «إلى الأمام!» يمكن أن يقدم نموذجاً سياسياً بديلا لمعالجة غضب من تضرروا من العولمة. فحتى الآن، فإن الأحزاب الأوروبية التي كانت تغازل «المتضررين» من العولمة كانت من اليمين القومي المتطرف أو أقصى اليسار. لكن ماكرون يريد أن يجرّب شيئا مختلفا، وقد أنشأ «إلى الأمام!» كبديل لحزبي اليمين واليسار الرئيسيين التقليديين في فرنسا، اللذين رُفض كلاهما من قبل الناخبين. ويقول الدبلوماسي الأميركي فرايد في هذا الإطار: «لقد أعاد ماكرون تعريف فكرة أن الخيار الشعبوي الراديكالي هو الإمكانية الوحيدة» للاحتجاج على عجز النخب الغربية عن التعاطي مع الإحباطات الاجتماعية والاقتصادية. بعبارة أخرى، إن ماكرون يريد تقديم «طريق ثالث» للتعاطي مع قضايا التفاوت الاجتماعي والهجرة. لكن هنا تكمن المشكلة. ذلك أن سياسات «الطريق الثالث» جُرِّبت من قبل مع توني بلير وبيل كلينتون، فهل تستطيع هذه المقاربة حقاً تقديم نموذج فعال في الفترة الحالية الأكثر اضطرابا؟ الجواب هو ربما. فالأمر يعتمد على عوامل قد تكون خاصة بفرنسا، وستمثل اختبارا صعبا لمهارات ماكرون ومواهبه. وبعد أن حقق ما يشبه المعجزة، يمكن القول إن نجاح ماكرون يعتمد على ما إن كان يستطيع التحدث بشكل مقنع عبر الخطوط الحزبية حول الحاجة إلى تغيير اقتصادي. ويبدو أن الغضب الذي خلقته حملتُه، وتمكّنُ لوبين من تقريب حزبها اليميني أكثر فأكثر من أعلى منصب في البلاد، بـ34? من الأصوات، قد هز فرنسا وخلخلها. وقد يكون الناس أكثر رغبة في الإصغاء الآن. ولا شك أن ماكرون ارتكب أخطاء مبتدئين، حيث احتفل بفوزه في الجولة الأولى من الانتخابات في مطعم فخم ترتاده النخبة. كما أنه كثيراً ما يتحدث بلغة ومصطلحات بيروقراطية منفرة. ولذلك عليه الآن أن يجد كلمات تحرّك الفرنسيين وتقنعهم، بمن فيهم أولئك الذي يعيشون في المناطق الصناعية القديمة المهجورة والغيتوهات المسلمة، بأنه يملك حلولا جديدة كانت عصية على السياسيين التقليديين. وإذا كان فوزه قد أثبت أن الوسط يستطيع الصمود والنجاح في وقت يبدو فيه أن الديمقراطيات أخذت تنهار، فعليه الآن أن يُظهر لأوروبا وأميركا أن الوسط يستطيع الحكم أحسن من أقصى اليمين أو اليسار. ويجدر بكل من يكترث لمستقبل الديمقراطية أن يدعمه ويشجعه ويتمنى له التوفيق. ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشيونال»