قام وزير الخارجية عادل الجبير، في 25 فبراير الجاري، بأول زيارة لوزير خارجية سعودي إلى العاصمة العراقية منذ أزمة الكويت عام 1990. ولم تكن هذه الزيارة أول محاولة لترطيب العلاقات السعودية- العراقية، فقد كانت هناك محاولات متعددة، بدأت بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، حينما أرسلت المملكة مساعدات غذائية وطبيّة وأنشأت مستشفى ميدانيّاً لمساعدة المدنيين العراقيين في العاصمة بغداد، إلا أنّ سلطة الاحتلال الأميركية رفضت استمرار ذلك المستشفى في عمله، وطالبت بإغلاقه بعد ثلاثة أشهر من افتتاحه. وبعد انتهاء الاحتلال الأميركي للعراق عام 2011، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حاولت الحكومة السعودية دعم الحكومة العراقية سياسياً ومالياً، عبر البنك الإسلامي للتنمية الذي أقرض العراق 3 مليارات دولار في مايو عام 2016، منها منحة بقيمة 25 مليون دولار لصالح وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية. وبالرغم من ذلك، فإنّ هناك عدداً من القوى المرتبطة بإيران وبالحشد الشعبي في العراق، التي حاولت جاهدة إحباط أي محاولة للتقارب بين البلدين العربيين. وحين عُيِّن ثامر السبهان كأول سفير للمملكة بعد عقود من انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وُجِّه له العديد من التهديدات بالاغتيال من قِبل بعض القوى الطائفية. وانتقد السبهان بدوره هيمنة إيران على القرارات السياسية والعسكرية وتحكّمها بالميليشيات الخارجة عن القانون في البلاد. وقد أثارت هذه الانتقادات حفيظة الحكومة العراقية، واضطرّت المملكة إلى سحب سفيرها في بغداد صيف عام 2016، وإلى تقليص تمثيلها الدبلوماسي في العاصمة العراقية. ومن ناحيةٍ ثانية، فإنّ عدم مقدرة السلطات العراقية على بسط نفوذها على كامل التراب العراقي وانتشار الميليشيات المختلفة في البلاد، قد ساهم كذلك في تعرّض الحدود السعودية- العراقية لعمليات إرهابية قامت بها ميليشيات شيعية وسنيّة. فقد تبنّى «واثق البطاط» قائد ميليشيات «جيش المختار» المرتبط بقاسم سليماني، إطلاق عدة صواريخ من نوع «كاتيوشا» من داخل الأراضي العراقية ضد مركز حدود «العوجا» على الحدود السعودية- العراقية في نهاية عام 2013. وفي 5 يناير 2015، قامت مجموعة انتحارية تابعة لتنظيم «داعش» باقتحام مركز حدودي سعودي بالقرب من مدينة عرعر الشمالية، وقتل قائد المركز واثنان من جنوده بتفجير انتحاري. وفي مايو الماضي، نشرت إحدى الصحف السعودية مقالاً مطوّلاً ذكرت فيه أنّ ميليشيات تابعة لإيران تخزّن صواريخ وذخائر في بعض القرى المتاخمة للحدود السعودية والحدود الكويتية، وخاصةً في قرية «النخيب» العراقية المحاذية للحدود السعودية. وهكذا تنظر السعودية إلى العراق بحكم أنه بلد جار عربي ومسلم، ينبغي الاهتمام بوحدته الوطنية واستقراره السياسي والأمني، فأي ضعف في سلطته المركزية سيعني أنّ القوى الإرهابية سنيّة كانت أم شيعية، ستستخدم العراق، إذا ما تحوّل إلى صومال ثانية، كقاعدة لضرب هو نفسه واستقراره واستهداف جيرانه في دول مجلس التعاون. ولذلك، جاء تصريح الوزير الجبير في بغداد بأنّ المملكة تدافع عن وحدة الأراضي العراقية، وترى الإرهاب مهدداً لها، كما هو مهدد للعراق ووحدته واستقراره. وهي تحرص على أن تكون علاقاتها طيبة مع العراق ليس فقط في المجال السياسي والدبلوماسي، ولكن أيضاً في المجالات الأخرى. ولذلك، فإنّ إعلان قرب فتح منفذ «الجميمة» بين البلدين ليس إلا محاولة للانفتاح على العراق، وجذبه إلى محيطه العربي بدلاً من دورانه في الفلك الإيراني. والعراق البلد النفطي الغني، يعاني اليوم من الجفاف والفقر، وخاصةً في المناطق الغربية منه. وهو بحاجة إلى أن ينفتح على جيرانه ويعود إلى محيطه العربي بدلاً من أن يكون رهينة بيد الميليشيات الطائفية الإيرانية، التي تريد أن تمزّق هذا البلد العربي المسلم على أسس طائفية مقيتة. والعراق الذي طالما صدّر التمور والفواكه والخضار إلى جواره الخليجي، يمكن أن يعود إلى مجاله الحيوي السلمي التاريخي، ويربط أواصر علاقاته مجدداً مع جيرانه من الدول العربية الخليجية. ومن شأن فتح المعابر الحدودية بين البلدين، السعودية والعراق، أن يسهّل عبور السلع والخدمات، وكذلك تجارة المواشي الرائجة في المناطق الحدودية الشمالية للمملكة مع العراق. وقد يؤدي ذلك في المستقبل إلى إنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين على حدودهما المشتركة. فالاقتصاد والازدهار الاقتصادي يمكن أن يقودا البلدين إلى تحسين أوضاع سكان المناطق من العشائر العربية وغيرها من سكان جنوب العراق، وأن يكون الازدهار الاقتصادي أساساً لبناء مجتمعات مستقرّة ومزدهرة، بدلاً من مجتمعات محبطة ويائسة لا ترى إلا الاحتراب الداخلي. والعراق دولة عربية مسلمة، وقد آن الأوان لعودتها إلى حاضنتها العربية المسلمة، ولعلّ في هذه الزيارة بادرة انفراج تشجّع حكومة حيدر العبادي على تعزيز علاقات حسن الجوار مع شقيقتها المملكة العربية السعودية. -------------------- * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود