«أميركا أولا». أعتقد أن تلك هي العبارة التي ستتم الإشارة إليها أكثر من غيرها من خطاب دونالد ترامب أثناء حفل التنصيب. لقد ذكرها مرتين على التوالي قصد التأكيد على الدور الجديد لأميركا في العالم: ليس كزعيمة للعالم الحر، وإنما كجزيرة كبيرة جدا بين المحيط الأطلسي والهادئ. غير أن العبارة لديها صدى قبيح في التاريخ، فالقائلون بمبدأ «أميركا أولا» كانوا الأشخاص الذين كانوا يعتقدون أنه ينبغي ترك هيتلر يكتسح أوروبا. وشعار «أميركا أولا» يرفض بشدة «القرن الويلسوني» (نسبة لعقيدة الرئيس وودرو ويلسون الذي أصبح يؤمن مع نهاية رئاسته بضرورة نشر الديمقراطية والرأسمالية والتدخل في العالم، في ما مثّل الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية خلال القرن العشرين). وما تلا ذلك هو ما تعلّمنا أن نتوقعه من ترامب خلال الحملة الانتخابية: حمائية تجارية، وتشديد إجراءات الهجرة بغية «حماية حدودنا من أضرار بلدان أخرى تصنع منتجاتنا، وتسرق شركاتنا، وتقضي على وظائفنا». والحال أن هذا كان خطاب حملة انتخابية، وليس الخطاب العام والموحِّد الذي بتنا نتوقعه من الرؤساء أثناء انتقالهم من الحملة الانتخابية إلى الإدارة والحكم. خطاب كان «أقرب لإعلان حرب ضد الطبقة الحاكمة»، على حد تعبير شون ديفيس من موقع «ذا فيديراليست» الإلكتروني: هجوم كبير على كل من كان على المنصة معه تقريبا، بمن فيهم، الرئيس أوباما، الذي شكره على المساعدة التي قدمها خلال العملية الانتقالية، لكنه سرعان ما وجّه له انتقادات ضمنية لـ«بيعه» البلد لمصالح نخبة فاسدة. إنني لا أقول إنه لا يجوز أن تتضمن الخطابات الرئاسية انتقادات للنخب الساعية وراء خدمة مصالحها الخاصة، لكني أقول إن المكان المناسب لذلك ليس خطاب التنصيب، لاسيما حين يفوز المرء في انتخابات خسر فيها في التصويت الشعبي. لقد كنا بحاجة لرؤية لأميركا موحدة تقوم بشيء رائع، لكن ما سمعناه هو خطاب حول أعداء داخليين. والواقع أنه ما كان علينا أن نتوقع شيئاً آخر غير ذلك من ترامب، الذي كانت كل حملته الانتخابية تدور حول تحطيم القواعد التي تحكم الانتخابات الوطنية الأميركية. ومع ذلك، فقد كان ذلك مؤسفا جدا. إننا في لحظة دقيقة من تاريخ جمهوريتنا؛ فنظامنا السياسي بات أضعف مما كان عليه في أي وقت آخر منذ 1860. وقد يكون ثمة بيننا من يرحب بتدهور النظام السياسي لأنهم يعتبرونه فاسداً وغير فعال وأسيرا للمصالح الخاصة. إن الليبرالية الديمقراطية أشبه بهدنة صعبة تم التوصل إليها بعد قرون من الحروب الدينية المريرة في أووربا، توافقٌ اتفقنا فيه جميعا على الالتزام بعملية سلمية لحل نزاعاتنا الأساسية، حتى وإنْ كنا نكره الأفكار المعيارية التي انتهى الأمر بتلك العملية إلى دعمها أخيراً. لماذا فعلنا هذا؟ لأن البديل للتعايش مع الإثم هو إطلاق النار على الآثمين. ويبدو أن هناك الكثير من الأشخاص الذين باتوا أقل استعدادا لقبول تلك العملية عندما تأتي بشخص مثل الرئيس ترامب، بدءا بالأشخاص الذين احتجوا على انتخاب ترامب، وانتهاء بالمحتجين الذين خرجوا إلى شوارع واشنطن يوم الجمعة يلقون الحجارة ويكسرون النوافذ. فهذا الصباح، كتبتُ على حسابي على تويتر ما بدت لي عبارة عادية: «لقد كان أوباما رئيسي، وكذلك ترامب اليوم، لأنني أميركية والشخص الذي يفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية هو رئيسي». فقوبلت بمعارضة شديدة صدمتني وما كنت أتوقعها أبدا. والحال أن هذه التطورات تمثل تهديدا خطيرا لشيء ثمين هو: قدرتنا على حل نزاعاتنا السياسية من دون عنف أو قمع من قبل السلطة. ولعل الشخص المؤهل أكثر لوقف هذا الاتجاه المقلق هو الرئيس دونالد ترامب. والطريقة للقيام بذلك هي تخفيف حدة الخطاب الغاضب حول الخيانة في الداخل والخارج، حول «المذبحة الأميركية» والمخربين الأجانب، والسعي للتحدث مع كامل البلاد، وليس الأقلية التي انتخبته فقط. إنه الشخص المؤهل أكثر من غيره للقيام بذلك، لكنه ليس الشخص الذي من المرجح أن يحاول ذلك. وأشك أن يكون ذلك من طبعه. لذلك، علينا والحالة هذه أن نتذكر أنه من الممكن حقا «فقدان.. آخر أفضل أمل»، مثلما قال لينكولن. وبالتالي، فإذا جاز لنا أن نحذف شيئاً واحداً من خطاب ترامب، فإنه ينبغي أن يكون مهمة كل مواطن في جعل «أميركا أولا». ميجان ماكاردل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»