نُصِّب أمس الجمعة، الرئيس الأميركي الجديد (دونالد ترامب) كالرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وبالرغم من حضور العديد من المناصرين للرئيس الجديد لحفل التنصيب، إلا أنّ هناك نحو 900 ألف شخص سيقدمون إلى واشنطن ومعظمهم سيتظاهرون ضد انتخابه رئيساً جديداً للبلاد. وسيعقب ذلك يوم السبت مظاهرة نسائية تشارك فيها نحو 200 ألف امرأة احتجاجاً على انتخابه رئيساً للبلاد. والمحلل للانتخابات الرئاسية الأميركية خلال نصف قرن، سيرى أن انتخاب الرئيس الجديد لم يحفل بالحفاوة التي غالباً ما يتمتع بها أي رئيس جديد، خاصةً في فترته الانتخابية الأولى. وربما كان كلاً من ريتشارد نيكسون وليندون جونسون، هما الرئيسان الوحيدان اللذان لم يكن يتمتعان بقدر كبير من الحفاوة الشعبية، أثناء انتخابهما وتنصيبهما لأول مرة. فلقد كان الشعب الأميركي في منتصف الستينات من القرن الماضي منقسماً على نفسه بسبب الحرب في فيتنام. وبينما كان كبار السن من الأميركيين يناصرون جونسون وفيما بعد نيكسون، إلا أنّ غالبية الشباب كانوا يقفون ضدّهما بسبب مواصلتهما الحرب في فيتنام. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة لا تخوض أي حرب تُذكر خارج حدودها، عدا الحرب على الإرهاب. ومع ذلك، فإنّ الشعب الأميركي منقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى. يزعم الكثيرون أنّ الرئيس الجديد هو سبب مثل هذا الانقسام السياسي والاجتماعي، وربما كان ذلك صحيحاً في ضوء التصريحات الحادة، ومناوشاته مع المرشحة "الديموقراطية"، هيلاري كلينتون. كما أنّ لمواقفه العنصرية ضد المهاجرين المكسيكيين وضد المسلمين، وضد النساء، وضد السود، أثرًا سلبيًا على الرأي العام الأميركي، بحيث شجّع العديد من العنصريين على إظهار عنصريتهم على الملأ، بحيث أصبح لدى هذه الأقلية الشعور بأنه لم يعد من المحرّمات مهاجمة الأديان الأخرى والأقليات الملوّنة في البلاد. وأثّر ذلك بشكلٍ كبير على الخريطة السياسية التي أصبحت خريطة مجزأة بين شطرين، أحداهما محافظ والآخر ليبرالي. والحقيقة أنّ الساحة السياسية في الولايات المتحدة كانت منقسمة على نفسها خلال العقدين الماضيين، ورأينا كيف أنّ الانتخابات الرئاسية الماضية كانت نتائجها متقاربة إلى حدٍّ كبير. حتى أنّ انتخاب الرئيس بوش الابن ذهب إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل فيه، نظرًا لاقتراب نسب الأصوات بينه وبين منافسه. تبقى أيضًا السياسة الخارجية المحتملة للرئيس الجديد موضع تساؤل كبير، خاصةً في ضوء تصريحاته أثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلّة، في تعارضٍ كامل مع القانون الدولي. وكذلك، فإنّ تعيينه لسفير جديد في إسرائيل مناصر وممول لبعض الأعمال الاستيطانية يثير الكثير من التساؤلات والشكّ في السياسة الخارجية المستقبلية للولايات المتحدة في المنطقة. وربما كان في تعيين السيد (ريك تيليرسون) كوزير للخارجية، وهو الرئيس السابق لشركة (أكسون) النفطية، نقطةً إيجابية في توجه الرئيس ترمب نحو منطقة الخليج العربي. فالوزير الجديد يعرف المنطقة جيّدًا، ويعرف معظم العاملين في صناعة النفط الخليجية. والأغلب أنّ رجال المال والأعمال، مثل السيد ترامب، إذا تحوّلوا إلى المجال السياسي فإنهم يتبنون سياسات تجارية (مركنتالية)، منفتحة على العالم. غير أنّ ترامب يعاكس هذا التوجه، فهو يميل إلى الانعزال وإلى الاستئثار بنصيب الأسد في التجارة الخارجية والاستثمارات على حسب شركائه وحلفائه، حتى في القارة الأوروبية. وهذا ما يثير تحفظات الأوروبيين والصينيين وغيرهم من الدول الصناعية التي تخشى عودة حقبة القومية الاقتصادية، التي كانت سائدة في الثلاثينات من القرن الماضي، وقادت إلى توترات وحروب عالمية. يُعلن الرئيس ترامب، بملأ الفم، أنّ فترة التجارة والاستثمارات العالمية الحرّة قد انتهت وأنّ على الشركات المصنّعة للسيارات وغيرها مراعاة المصالح الأميركية قبل مصالحها التجارية في استثماراتها في بلدان العالم المختلفة. كما يميل الرئيس الجديد إلى خفض قيمة الدولار مقارنة بالعملات الأخرى حتى يجعل من قيمة الصادرات الأميركية الصناعية منها والزراعية، أقلّ سعراً من مثيلاتها في معظم البلدان الصناعية الأخرى. وهو إن نجح في هذا الشأن مع أوروبا، فإنه سيفشل مع الصين، حيث تظلّ الصين من أرخص الدول في مجال استخدام اليد العاملة. وسيحاول الرئيس ترامب التعويض عن ذلك بفرض رسوم تعرفة جمركية أعلى على الواردات الصناعية، وهنا قد تدخل في حرب اقتصادية محتملة خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة. وبرغم هذه التطورات، فهناك من يرى بأنّ الرئيس الجديد سيبقى رئيساً رمزياً دون أن يمارس فعلياً سلطاته الدستورية بشكلٍ يومي، تاركاً مثل ذلك لمعاونيه ومساعديه في البيت الأبيض، ومعظمهم من التجار ورؤساء الشركات السابقين الذين سيحرصون على أن يكسروا الكثير من القواعد الخاصة بالنظام التجاري الليبرالي. ويذهب هؤلاء المحللين إلى أنّ ترامب، المرشح الرئاسي، سيختلف بشكلٍ كبير عن ترامب الرئيس الفعلي، الذي عليه أن يوازن سياساته وتحالفاته بشكلٍ لا يؤثر سلباً على النظام السياسي والتجاري العالمي. ولعلّ الوقت نفسه هو الذي سيرينا تحولات مسار السياسة الأميركية في العهد الجديد. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود