في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، دعا الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن الإدارة المقبلة للرئيس المنتخب دونالد ترامب للانتباه إلى «الخطر الداهم» الذي تشكله كوريا الشمالية. ووصف تلك الدولة الشمولية بأنها تحولت إلى سجن يديره «جلادون ساديّون»، وقال إن خطرها لا يمكن تجنبه إلا بانتهاج سياسية أمنية مستدامة مبنية على احترام حقوق الإنسان. وأشار إلى أن العنصر الأكثر أهمية في هذه الاستراتيجية يجب أن يتركز على دعم اللاجئين الكوريين الشماليين في الولايات المتحدة. ومنذ أواخر عقد التسعينيات، فرّ أكثر من 30 ألف لاجئ كوري شمالي من بلدهم واستقرّوا في دول المجتمعات الحرة. وأغلبهم يعيشون الآن في كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة. ولا تكمن أهمية هؤلاء في قوة عزائمهم التي مكنتهم من تحمل هذه الرحلة الطويلة التي قطعوها من أجل النجاة، بل في قدرتهم على تغيير النظام الاستبدادي القائم في بلدهم، والذي يشكل تهديداً لكل الأميركيين بسبب برنامجه النووي الطموح. فكيف يمكن لهؤلاء اللاجئين أن يلعبوا دورهم في هذا السيناريو؟ إن هؤلاء اللاجئين الذين تحولوا إلى مواطنين منتجين، تعودوا على إرسال التحويلات المالية والمعلومات إلى أقاربهم في كوريا الشمالية بأساليب غير تقليدية تنطوي على المخاطر. ويتولى بعضهم مساعدة أبناء العائلات الكورية الأخرى على الهروب أيضاً. وتعتبر هذه الممارسات خروجاً عن توجهات النظام الحاكم لمراقبة المجتمع بكل صرامة. وهي تخلق أيضاً كادراً من المحترفين والخبراء يمكنه أن يعمل ذات يوم على إحداث التغيير الشامل في كوريا الشمالية. ويبدو أن الوقت مناسب الآن لاستثمار تأثير اللاجئين الكوريين على المواقف في الوطن الذي هجروه. ويشير استطلاع حديث أنجزه «مركز الدراسات الاستراتيجية والعالمية» إلى أن 35 من كل 36 مواطنا كوريا شماليا من الذين شملهم الاستطلاع لا يؤيدون حكومة بلدهم. فكيف يمكن للإدارة الأميركية المقبلة والكونجرس الاستفادة منهم؟. يمكن لدراسة حديثة أنجزها «معهد بوش» أن تساعدنا على فهم سير حياة كل واحد من هؤلاء اللاجئين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة قد نفذت برنامجاً خاصاً لتوطين اللاجئين الكوريين استناداً إلى «قانون حقوق الإنسان في كوريا الشمالية لعام 2004». وكما هي الحال بالنسبة لبقية للاجئين، فإن لاجئي كوريا الشمالية يستفيدون من مساعدات قصيرة المدة، ليختاروا بعد ذلك طريقتهم الخاصة في تحصيل أرزاقهم. وبالرغم من أنهم يرغبون بالاندماج في المجتمع الأميركي، إلا أنهم يواجهون صعوبات في هذا المجال. ويكون عليهم أن يبدؤوا حياتهم من الصفر، وأن يتعلموا لغة جديدة وأن يتدبروا أمورهم المالية. وهم يواجهون صعوبات في الحصول على التأمين الصحي، وفهم الأسس التي يقوم عليها النظام البنكي، والبحث عن عمل، والاستفادة من الفرص التعليمية، وإرسال المساعدات المادية لأقربائهم في كوريا الشمالية. ولقد لوحظ أيضاً أن العديد من هؤلاء اللاجئين يعانون من عوارض وأمراض عقلية، ويكون عليهم أن يتعودوا على مواصلة العيش بعد أن نجوا من الدكتاتورية الشيوعية المتوحشة، فضلاً عن الشعور بالإثم بسبب تركهم لعائلاتهم وأصدقائهم وراءهم. وإذا كان اللاجئون الكوريون الشماليون من صغار السن، يحظون بفرص أفضل للتعلّم والفوز بمناصب العمل، إلا أن كبار السن منهم يواجهون مشاكل مادية وعائلية أكبر، وهم الذين يتعين عليهم قبول فرص العمل المتواضعة التي لا تتطلب المهارة في استخدام اللغة الإنجليزية. وقدمت دراسة جديدة أخرى أنجزها «معهد بوش» تحت عنوان «ضوء عبر الظلام»، رؤى مهمة حول المنهج الذي ينبغي على الولايات المتحدة اتباعه لاغتنام الفرص التي يتيحها اللاجئون لدمجهم في الاستراتيجية الأميركية الشاملة للتعامل مع كوريا الشمالية. ونعرض فيما يلي لأهم تلك الرؤى. 1- يتحتم على واشنطن أن تنظر إلى نجاح إدماج هذه الجماعات باعتباره عنصراً مهماً في المهمة المقبلة التي تهدف إلى تحقيق المصالحة والوحدة في شبه الجزيرة الكورية. ويتطلب ذلك من الحكومة الأميركية إعادة النظر في عملية توطين هؤلاء اللاجئين وزيادة المساعدات الخاصة بهم. 2- على واشنطن أن تنشر أخبار برنامجها الخاص بمساعدة اللاجئين الكوريين الشماليين على نطاق أوسع من أجل تشجيع المزيد منهم على الفرار من بلدهم. 3- على الحكومة أن تهتم بتأسيس صندوق خاص للاجئين الكوريين لمساعدتهم على التعلّم والفوز بفرص العمل. ويذكر أن «معهد بوش» على وشك الإعلان عن برنامج تعليمي للاجئين الكوريين عام 2017. 4- على الولايات المتحدة أن تتعاون مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص لزيادة الدعم المخصص للاجئين الكوريين. 5- على الولايات المتحدة أن تشجع الدول الأخرى على تبني برامج لتوطين اللاجئين الفارين من كوريا الشمالية. ولا شك أن كوريا حرّة وموحدة يمكنها أن تزيل الكثير من أسباب التهديد الخارجي الذي تتعرض له الولايات المتحدة. فيكتور تشا: محلل ومؤلف ومستشار سابق في السياسات الخارجية الأميركية كريستوفر والش: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»