منذ بدء مشاورات الكويت بخصوص اليمن قبل أسبوع، وقبلها في «بال» السويسرية التي استمرت أياماً معدودة، وقبلها أيضاً في «جنيف»، والتي كانت من طرف واحد امتنع وانعزل وفد «الحوثيين» عن الخروج من فندقهم! في بداية شهر رمضان من العام الماضي، والذي يقبل بعد أسابيع قليلة، أي أن عاماً كاملاً يمر تقريباً، وما زال بعضنا يعتقد أنه بالإمكان عقد اتفاق مع الميليشيات «الحوثية» و«العفاشية»، وأنه بالإمكان أيضاً الركون إلى أنها ستعود إلى الرشد والعقلانية، وستنخرط في اتفاقات والتزامات، أو يمكن أن تكون هناك خريطة طريق لمن يجهلون أو يتعامون ليس فقط عن قراءة الخرائط الحقيقية للأحداث والمؤامرات، أو لديهم بعض الفهم والرغبة والنية الحسنة والصادقة لـ«مبدأ تحقيق السلام»، والذي تحاول «دولة الكويت» مشكورة أن تبذل قصارى جهدها للتوفيق ولعل وعسى! وفد «الشرعية» و«الأمم المتحدة» و«دول التحالف» يراقبون ويأملون، أما بقية اليمنيين المغلوبين على أمرهم ونحن منهم! والذين عانوا ويعانون يومياً من تبعات انقلاب «الحوثيين» وميليشيات «صالح» على مختلف الأصعدة واستمرار حصارهم للمدن واحتجازهم وخروقاتهم وقصفهم للأبرياء ومحاولات استعادة المناطق التي تم دحرهم منها وتعزيز احتلالهم لمناطق استراتيجية ومهمة مثل «مكيراس» و«تعز» غير متفائلين! فكثير من أفعالهم تدل وبوضوح أن قدومهم إلى الكويت لم يكن إلاّ امتداداً لمحاولاتهم لاكتساب «الاعتراف» و«الشرعنة الدولية»، ولفرض «الأمر الواقع» و«استعادة النفوذ» المتلاشي، واستمرار «تأجيج الفتنة الطائفية والمناطقية»، وكلها مليئة بالتفاصيل الجنونية، التي قد تكون في الغالب مملة لتكرارها للقارئ ومحبطة لمتابعي أخبار اليمن ومحبيه ولا تنم إلا عن جنون مرتكبي هذه الأفعال دون وازع أو رادع. قبل انقلاب «الحوثيين» في سبتمبر 2014 كان السياسي البارز الراحل الدكتور عبدالكريم الإرياني قد قال «إن من ابتلاء الله وغضبه عليه أمد بعمره حتى يأتي اليوم الذي يتفاوض فيه مع «الحوثيين»، وأذكر عندما قابلت المبعوث الدولي السابق لليمن جمال بن عمر في فندق «موفمنبيك» بصنعاء حاملاً رسالة شفوية من فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، حول عبثية استمرار اجتماعات موفمنبيك مع «الحوثيين» والموالين لهم، وبينما هم يحتجزون الرئيس والوزراء ويكملون انقلابهم الدموي، وأنه باستمراره للإشراف على هكذا مشاورات يشرعن للانقلاب «الحوثي العفاشي»، ويعزز من تصورهم الجنوني أن الأمر قد استتب لهم، وكان رده واضحاً بأن ذلك ليس محط اعتباره أو اهتمامه أو اختصاصه، فهو موظف أممي يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف عاقله أو مجنونه راشده أو مراهقه تستخدم العنف والقتل أو لا تستخدمه، وحينها كان هناك اختلاف ونقاش حاد بيننا على هذا الموضوع! لا أحد يرغب أبداً أن تفشل «مشاورات الكويت»، أو غيرها، أو أن تستمر الحرب في اليمن أو تتدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية أكثر مما عليه الآن، فقد أوصلنا «الحوثيون» و«عفاش» إلى ما تحت الصفر بكثير! ولكن لن يستطيع أحد أن ينكر الحقيقة المنطقية والسياسية والعقلية والدبلوماسية والمرغوبة من الجميع دون استثناء أن الحل السلمي والسياسي هو المطلوب، ولكن إذا توفر طرفان لديهم الكثير من «العقل» ومقبول بعض «الجنون» أحياناً وفي فترة ما! أما أن يكون كل الوقت «جنون» و«عنف» و«منهج» فوضوي «وجدل عقيم» يعجز المرء عن إدراكه أو تفسير مراده، إلا كما قال الجاحظ بأنه استمرار ذهاب «العقل»، فإنه يصيب كل شيء ! وبعض «الهررة» إذا ولدت أكلت أولادها من «جنون» يزين لها خفية حسناته! ونأمل أن لا يصيب الندم والحسرة يوماً ما «المبعوث الدولي» عندما يصل إلى القناعة الكاملة أن التعامل مع الميليشيات وتدليلها نمط وطراز آخر من الجنون! المجانين لا يندمون ولا يعتذرون، ولن يلتزموا بقوانين واتفاقيات وبخرائط للطرق، وهم يتبعون المثل اليمني الحصيف الذي يقول: («جنان» وعنف وقتل وإرهاب يخارجك ولا«خريطة» أقصد ولا«عقل» يحنبك). *وزير خارجية اليمن الأسبق