خلص التقرير النهائي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي طال انتظاره بشأن الأنشطة النووية السابقة لإيران إلى أن طهران عملت على برنامج للأسلحة النووية حتى عام 2009 رغم إصرارها على أن برنامجها للطاقة النووية كان سلمياً. لكن الجيد في الأمر أن تحريات الوكالة بزعامة مديرها «يوكيو أمانو» استطاعت أن تنتزع معلومات حيوية رغم عراقيل المسؤولين الإيرانيين. والوكالة التابعة للأمم المتحدة كان لديها ما يكفي من الجرأة لتعلن شكوكها رغم التوقعات بأنها قد تخفف من حدة تقريرها حتى لا تعرض الاتفاق النووي الذي أبرم في يوليو الماضي للخطر. لكن المنتقدين للاتفاق سيطرحون السؤال الواضح التالي: إذا لم تكن إيران صادقة بشأن ماضيها فهل يمكن الوثوق بها في المستقبل؟ والإجابة الواضحة هي: لا تثق لكن تحقق وتحقق. ووفقاً لبنود الاتفاق النووي، لن يوقف تقرير الوكالة الدولية عن الأنشطة الإيرانية الماضية عملية رفع العقوبات الاقتصادية طالما أن الجمهورية الإسلامية تحافظ على تعهدها الخاص بالتقليص الشديد في إنتاجها من الوقود النووي وكشف النقاب عن بنيتها النووية التحتية. وكتب «روبرت اينهورن» المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية الذي شارك في المفاوضات النووية في مجلة ناشيونال انتريست «سيشعر عدد من المراقبين بالانزعاج من إيران أفلتت فيما يبدو بكذبة كبيرة مستفيدة من رفع العقوبات بينما ترفض التعاون مع التحقيقات». لكن اينهورن أكد في مكالمة هاتفية أن الغرب كان لديه بالفعل معلومات عن الأنشطة الماضية لإيران، ومن الضروري التركيز على التحقق في المستقبل. ولم يوضح التقرير إذا كانت إيران ستجد سهولة في الغش في المستقبل، خاصة في ظل توافر التطورات التكنولوجية الحديثة. فقد دأب زعماء إيران على مدار عقد من الزمن على الامتناع عن التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية ورفضوا الإجابة على أسئلة بشأن ما يشتبه أنه برنامج سري لإنتاج رؤوس حربية يمكن تثبيتها في صواريخ نووية. وكجزء من الاتفاق النووي كان مطلوباً من إيران أن ترد على مجموعة أسئلة بشأن هذه الأنشطة قبل إمكانية رفع العقوبات وخاصة ما حدث في مجمع بارشين العسكري. وحتى سبتمبر الماضي، لم يكن بوسع الوكالة الدولية إلا مراقبة الأنشطة باستخدام صور الأقمار الصناعية. وبعد التوقيع على الاتفاق سمح للمفتشين أن يزوروا «بارشين». لكن مقارنة صور الأقمار الصناعية السابقة مع ما رأه المفتشون في «بارشين» استطاعت الوكالة أن تتوصل إلى أن جسماً إسطوانياً كبيراً تم تركيبه عام 2000 وكان يبدو كما لو أنه غرفة إطلاق متفجرات لم يعد موجوداً. ولاحظ المراقبون أن المكان الذي كان يوجد به الجسم جدده الإيرانيون حديثاً فيما يبدو. ومن العينات التي حصلت عليها الوكالة استطاعت أن تكشف زيف الزعم الإيراني بأن موقع «بارشين» لم يكن إلا لتخزين المواد الكيماوية للاستخدام المدني. ووجد المفتشون أيضاً جزيئات توضح استخدام مواد نووية في الموقع. ويرى «اينهورن» أن التقرير يوضح «أنه حتى بغير التعاون الإيراني مازال بوسع المفتشين التوصل إلى ما يدين طهران». لكن المتشككين يخشون أنه بمجرد رفع العقوبات وإقامة الشركات الغربية علاقات اقتصادية جديدة مع إيران سيتردد الأوروبيون في الاعتراف بالانتهاكات أو في فرض عقوبات جديدة. وبالإضافة إلى هذا فإن اشتراطات عودة العقوبات معقدة. وأوضح خامنئي أن أي إعادة للعقوبات لأي سبب ستنهي التزام إيران بالاتفاق، وهذا على خلاف المنصوص عليه في الاتفاق. وهذا يثير أسئلة خطيرة بشأن إذا ما كان الرئيس أوباما مستعداً لتعريض العلامة المميزة في إنجازاته السياسية للخطر بأن يضغط بشدة على طهران. ويعتقد «اينهورن» أنه لمواجهة أي سوء تفاهم إيراني مثل هذا يتعين «على الولايات المتحدة أن توضح أنها ستفرض الإذعان، وأن الانتهاكات تعني إمكانية عودة العقوبات». وأضاف أنه من حق الولايات المتحدة تماماً أن تفرض عقوبات بعينها على إيران نتيجة لتصرفاتها الشائنة في منطقة الشرق الأوسط مثل مساعدة جماعات إرهابية مثل «حزب الله» فمثل هذه العقوبات لا يمنع الاتفاق النووي فرضها. وهذا لا يعني أن يحاول المنتقدون في الكونجرس القضاء على الاتفاق بفرض عقوبات اقتصادية جديدة. لكنه يعني استخدام كل الوسائل الاستخباراتية (بالتعاون الوثيق مع أوروبا وإسرائيل) لمراقبة الغش الإيراني. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»