في غضون العشر سنوات الماضية أو نحوها، بات العالم على وشك الاتفاق على ما يجب فعله من أجل تحقيق التنمية، وكسر قبضة العوز والفقر. وقد أدت ثلاثة اجتماعات دولية رئيسية، عقدت بهذا الخصوص هي: اجتماع قمة الألفية الذي عقدته الأمم المتحدة في عام 2000، وكذلك المؤتمران اللذان عقدتهما الأمم المتحدة في كل من مونتيري بالمكسيك، وجوهانسبرج بجنوب إفريقيا عام 2002، أدت جميعها إلى درجة مقدرة من الاتفاق حول كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية، وتخفيف وطأة الفقر، وحماية البيئة. ولا يزال من غير المؤكد، ما إذا كنا سنوفق في تحقيق "أهداف قمة الألفية" الثمانية التي كنا قد حددنا لأنفسنا في ذلك الاجتماع أم لا، غير أن المؤكد هو أننا اتفقنا على الأقل، حول ما يجب القيام به، لتحقيق تلك الأهداف. ومما يؤسف له، أننا لا نزال بعيدين بعض الشيء عن التوصل إلى اتفاق مماثل، لجعل العالم أكثر أمناً.
فقد ساءت الأوضاع عما كانت عليه خلال السنوات القليلة الماضية. وكما نعلم، فسرعان ما حلت محل لحظة التضامن العالمي ضد الإرهاب في عام 2001، خلافات مريرة وحادة حول الحرب على العراق، التي تكشف فيما بعد أنها كانت عرضاً لخلافات أعمق، حول قضايا أساسية وأكثر جوهرية. وتتلخص هذه القضايا في: ما هي الطريقة المثلى لحماية أنفسنا ضد الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل؟ متى يجوز استخدام القوة، وعلى من يجب اتخاذ القرار؟ هل تكون "الحرب الوقائية" مبررة في بعض الأحيان، أم أنها مجرد عدوان تحت مسميات أخرى؟ ثم ما هو الدور الذي ينبغي على الأمم المتحدة أن تلعبه، في عالم الأحادية القطبية السائد اليوم؟ وقد طرحت هذه القضايا والحوارات المشاد بها، إلى جانب تلك التي كانت قد أثيرت من قبل خلال عقد التسعينيات. وشملت تلك القضايا حينها: هل تعد سيادة الدول مبدأ مطلقاً، أم أن هناك مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي، فيما يتصل بمنع أو حل النزاعات التي تنشب داخل الدول، خاصة حين تشمل تلك النزاعات، ممارسات الإبادة الجماعية وما يشبهها من فظائع؟
وبحثاً عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها، كنت قد عينت في العام الماضي، لجنة ضمت 16 عضواً من الجنسين، من شخصيات بارزة ومميزة، من مختلف أنحاء العالم، ومن مختلف التخصصات والخبرات أيضاً. وشملت عضوية اللجنة، خبرات في المجالات السياسية والعسكرية، والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد طلبت من أعضائها تقدير حجم المخاطر التي تهدد البشرية اليوم، ورفع التوصيات الخاصة بما نحتاجه من سياسات ومؤسسات، لمجابهة تلك المخاطر. واليوم تسلم اللجنة المذكورة تقريرها المعنون:"من أجل عالم أكثر أمناً... مسؤوليتنا المشتركة"، الذي يحوي 101 توصية بشأن حفز استجابة دولية مشتركة، إزاء المخاطر المشتركة أيضاً.
ويؤكد التقرير على حق الدول في حماية نفسها، بما في ذلك حق الحماية الوقائية، فيما لو كان الخطر وشيكاً. أما في حالة "السيناريوهات الكابوسية" - كما جاء في صياغة التقرير- على سبيل المثال، في تلك الحالات التي يتم فيها الدمج بين الهجمات الإرهابية واستخدام أسلحة الدمار الشامل، فإنه ربما تعين على مجلس الأمن الدولي، أن يبادر بالتحرك المبكر، وعلى نحو أسرع وأكثر تعاوناً وحزماً، مما كان عليه الحال سابقاً. كما يقدم التقرير، خطوطاً وموجهات عامة لمجلس الأمن الدولي، حول الكيفية التي يستطيع بها السماح باستخدام القوة، سواء في التصدي لخطر التهديد الخارجي، أم في القيام بواجباته ومسؤولياته، تجاه حماية المواطنين من الفظائع الجماعية التي ترتكب في حدود الدولة السيادية المعينة.
ولا شيء أكثر قيمة وأفيد من توصل اللجنة إلى اتفاق جماعي حول تعريف مفهوم "الإرهاب"، وهو الواجب الذي عجزت عنه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، على امتداد السنين. وعلى الرغم من أن مفهوم الإرهاب، لا يبدو مفهوماً صعباً وعصياً على التعريف، إلا أننا تعثرنا فيه في حقيقة الأمر. وقد تحجج البعض بأنه لا مناص لأي تعريف من أن يتضمن استخدام القوة المسلحة ضد المدنيين من قبل الدول، إلى جانب المجموعات الفردية، بينما أصر البعض –لا سيما الدول العربية والإسلامية- على ألا يمنع التعريف حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي لأراضيها. غير أن اللجنة –بما فيها أعضاء مسلمون بارزون- أشارت إلى أن نصوص القانون الدولي، كما هي سارية في الماضي، أدانت إدانة صريحة وواضحة، الاستخدام الواسع للقوة ضد المدنيين من قبل الدول، فضلا عن اتفاق أعضائها، على أنه "لا يوجد شيء في حقيقة الاحتلال، يبرر استهداف المدنيين أو قتلهم". وفيما لو اتبعت الدول موجهات وتوصيات اللجنة المذكورة –وهو ما أتوقعه- فإنه سيسهل كثيراً على الأمم المتحدة، أن تطور استراتيجية شاملة مضادة للإرهاب، بقدر ما تسهل عليَّ الترويج لهذه الاستراتيجية، وفقاً لما أوصى به تقرير اللجنة.
كما تضمن التقرير حزمة من المقترحات والتوصيات العملية، الرامية إلى حظر نشر الأسلحة النووية، وتحسين مستوى الأمن البيولوجي، وجعل الأمم المتحدة نفسها، منظمة أكث