قد لا يكون من المحبّذ ولا من اللياقة القول إن حادث تحطم رحلة الطائرة الماليزية رقم 17 هو أفضل المكاسب التي حققتها سياسة الرئيس أوباما في أوكرانيا خلال الأسابيع الماضية. وحتى تاريخ سقوطها بركابها الذين بلغ عددهم 298 بالإضافة إلى طاقمها الأسبوع الماضي، فإن الحرب القذرة التي تدور رحاها في أوكرانيا، كانت قد فقدت اهتمام الرأي العام بها. وكانت استراتيجية أوباما لدفع أوروبا باتجاه تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا قد جعلت الدول الأوروبية ذاتها ضحية أخرى لهذه الرغبة بسبب ميلها لحماية مصالحها وتجارتها مع موسكو. ولم تكن القوات المسلحة الأوكرانية تحقق إلا تقدماً طفيفاً على الأرض في إطار حربها ضد الانفصاليين الروس المسلحين. أما روسيا بوتين فكانت تضغط لتحقيق وقف لإطلاق النار حتى تؤمن للثوّار هامشاً زمنياً أطول لتثبيت أقدامهم على الأرض، وتحقق لبوتين فرصة أكبر للضغط على حكومة كييف. وعلى المدى القصير، يبدو من الناحية الظاهرية أن بوتين يحقق مكاسب بطيئة. والآن، تغيرت وقائع هذا المشهد على أيدي أولئك الذين أطلقوا الصاروخ المتطور المضاد للطائرات، الروسي الصنع، ما أدى إلى إسقاط الطائرة. ولن يكون في وسعنا التأكد مما إذا كان المجرمون هم من الانفصاليين الأوكرانيين أو من الضباط الروس العاملين تحت إمرة الانفصاليين أو أي شخص آخر. إلا أن السلوك المريب لكل من الثوار الانفصاليين، وتصرفات الحكومة الروسية في موقع الطائرة المحطمة (مثل منع الدخول إلى موقع الجثث)، تجعل من المنطقي الاحتكام إلى نظرية المؤامرة. ومع بداية الأسبوع الجاري، عمد الرئيس بوتين لإطلاق تصريحات تحمل طابع الاسترضاء وتخفيف الاحتقان وأشار إلى أنه بصدد فعل «كل ما يمكن» لتسهيل إجراء تحقيق دولي في الحادث. وقال: «بدلاً من أن يؤدي هذا الحادث الأليم إلى تفرّقنا، فإنه يجب أن يجمعنا معاً. وليس من حق أي طرف أن يستغل هذه المأساة لخدمة أهدافه السياسية». وتم التأكد من صحة الانتقادات الموجهة لروسيا من خلال السلوك غير المنضبط للثوار الانفصاليين الذين كانوا يطوّقون مكان سقوط الطائرة، وهم الذين يتلقون الدعم بالمال والسلاح من حكومة بوتين. وحتى هذا الأسبوع على الأقل، كانت روسيا تطلق عليهم اسم «المقاتلين من أجل الحرية». وقد عمدت الحكومة الأوكرانية إلى استغلال الفرصة السانحة فأطلقت هجوماً عسكرياً واسع النطاق على الثوار الانفصاليين في ضواحي مدينة «دونيتسك» التي تبعد نحو 80 كيلو متراً عن موقع سقوط الطائرة. ووافق الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على بعض الشخصيات الروسية الرسمية. وعلى أن يمهّد لفرض عقوبات أشد بكثير ضد القطاعات الروسية الاقتصادية المختلفة. إلا أن العقوبات الأوروبية ليست ضخمة، وهي تحاكي في قوتها تلك العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة وقد أعلن عنها أوباما الشهر الجاري. وقرر الاتحاد الأوروبي أيضاً النظر في عقوبات أكثر قسوة تحظر على روسيا الدخول إلى الأسواق المالية الأوروبية والتعامل معها، بالإضافة لتحديد المبيعات الأوروبية من منتجات التكنولوجيا العسكرية لروسيا إذا لم يوقف بوتين تدفق السلاح والمعدات ورجال المليشيات إلى شرق أوكرانيا. وهي الإجراءات التي لا يزال وزراء الخارجية الأوروبيون يعارضونها حتى الآن. وهذا يعني أن بوتين وجد نفسه أمام مشكلة لم تكن قائمة قبل أسبوع واحد فحسب. وفي هذا السياق قال رئيس الوزراء الهولندي مارك روت: «نحن نرى أن تغيراً أساسياً قد طرأ يوم الخميس الماضي» في إشارة إلى يوم إسقاط الطائرة، وأضاف مؤكداً أن هناك الآن رغبة لدى كافة دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف موحد يضمن تحقيق المزيد من الضغط على روسيا من أجل إبداء التعاون بشكل أكبر. ولا يزال الاتحاد الأوروبي منقسماً حول الطبيعة الدقيقة للعقوبات التي يمكن فرضها على روسيا. فألمانيا تريد الحفاظ على وارداتها من الغاز الروسي، وبريطانيا تريد استمرار تدفق رؤوس الأموال الروسية إلى بورصة لندن، وتبحث فرنسا عن حماية صفقات الأسلحة مع بوتين. ومع ذلك، ظهرت مؤشرات وإيماءات أولى توحي بتغير هذا المناخ. ومن ذلك مثلاً أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قال هذا الأسبوع إن على روسيا ألا تأمل باستلام حاملتي طائرات الهيليكوبتر الهجومية اللتين اشترتهما من فرنسا. وأضاف أنه كان من المقرر تسليم الحاملة الأولى في شهر أكتوبر المقبل، وأن موعد تسليم الحاملة الثانية سيتحدد وفقاً لسلوك الروس. ولم تكن هذه التطورات لترقى أيضاً إلى درجة إحداث تحول حاسم على أرض المعركة في أوكرانيا. وكان من المنتظر أن تكون العقوبات المعلن عنها كافية لإثارة خوف المخططين الاقتصاديين الروس الذين كانوا يعملون بجهد جهيد على تحقيق معدل نمو يبلغ درجة الصفر، ولكنها لم تكن كافية بالفعل للجم بوتين. وقد قال لي سياسي ألماني يدعى «كارستن فواجت» مؤخراً: «هناك فرق مهم بين أسلوب تفكير الأميركيين وأسلوب تفكيرنا نحن الأوروبيين. فهم يظنون أن الروس سيتصرفون بشكل أفضل لو طبقوا عليهم العقوبات، وأما نحن فلا نعتقد ذلك». ولكن، حتى سقوط طائرة الرحلة 17، كان بوتين ينتظر من الغرب أن يفقد اهتمامه بالصراع في أوكرانيا، وتوقع أن يتخلى الغرب عن العقوبات المفروضة على روسيا تدريجياً. إلا أن هذه الحسابات تغيرت تماماً بعد الحادث ولم تعد قائمة. وليس من المحتمل أن يرضخ بوتين لمطالب الغرب، إلا أن الرفض هذه المرة سيكون مكلفاً جداً. دويل مكمانوس محلل سياسي أميركي