يبدو أن لدى باراك أوباما قصة فريدة مع الخطوط الحمراء. ذلك أنه عندما حذر الرئيسَ السوري بشار الأسد من مغبة استعمال أسلحة كيماوية، استعملها الأسد رغم ذلك. وعندما حذر روسيا من الاستيلاء على القرم، مضى فلاديمير بوتين قدما في ضم شبه الجزيرة. ولكن مؤخرا زار أوباما بولندا حيث أعاد التأكيد على أكبر الخطوط الحمراء وأنصعها في السياسة الخارجية الأميركية: اتفاقية حلف شمال الأطلسي لعام 1949 التي تُلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها في أوروبا من أي تهديد خارجي – وهو ما يعني هذه الأيام روسيا مرة أخرى. التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها «قوي مثل الصخر»، يقول أوباما. وللتشديد على ذلك الالتزام، اقترح «مبادرة لطمأنة» أوروبا بقيمة مليار دولار، وهي عبارة عن حزمة من المناورات العسكرية والبرامج التدريبية. ولكن، هل نجح ذلك في طمأنة الحلفاء الأوروبيين بالفعل؟ ليس تماما. والواقع أنه يمكن تفهم بواعث قلقهم. فقد أشار بوتين إلى السكان المنحدرين من العرقية الروسية في إستونيا مؤخرا وقال إنه يشعر بواجب حمايتهم، تماما على غرار ما قام به لـ«حماية» الناطقين بالروسية في أوكرانيا. ثم إن «مبادرة الطمأنة» التي أعلن عنها أوباما مازالت تفاصيلها قليلة وغير معروفة. كما أن البولنديين وأوروبيين شرقيين آخرين كانوا دائما يشعرون بأنهم أشبه بأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي من الدرجة الثانية، وذلك نظرا لوعد قدمه الحلف لروسيا في 1997 بأنه لن يقوم بنشر قوات دائمة في الشرق طالما ظلت الظروف سلمية. ثم إن هناك انقساما في الحلف بشأن مدى القوة التي ينبغي الضغط بها على بوتين. ذلك أن الأعضاء الشرقيين في "الناتو"، الذين يشعرون بأنهم الأكثر ضعفا وهشاشة تجاه روسيا، يفضلون موقفا أكثر حزما وصرامة مقارنة مع أعضائه الغربيين، وفي مقدمتهم ألمانيا وفرنسا. الإستونيون وجيرانهم قلقون ويرغبون في أن يرابط جنود غربيون من الحلف على أراضيهم بشكل دائم؛ والحال أن إقامة وجود كبير ودائم لقوات "الناتو" في بلد مجاور لروسيا مازال أمراً مستبعداً لأن لا بلد يتوق لتحمل كلفة ذلك. ولكن في ما يلي ثلاثة طرق يمكن أن نجعل بها وجوداً غربياً قوياً في أوروبا الشرقية أكثر طمأنة وبثمن معقول. أولاً: القيام بعمليات نشر أطول للجنود، حتى وإن لم تكن دائمة. ثانياً، جعل عمليات نشر الجنود صغيرة، ولكن مرئية. وفي هذا الصدد، يقول الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، وهو قائد سابق للناتو: «إن تجريدة متواضعة من القوات الخاصة ستفي بالغرض»، مضيفا أن البلدان المضيفة هي التي ينبغي أن تدفع معظم الكلفة. ثالثاً، تلبية الاحتياجات غير العسكرية للأوروبيين الشرقيين. وفي هذا الصدد، قال لي مسؤول أميركي: «إن أكثر ما تحتاج إليه دول البلطيق ربما هو الاستخبارات وتدريب الشرطة؛ والحال أن حزمة الطمأنة العسكرية لا تتعاطى حقا مع العمليات الروسية من النوع الذي رأيناه في أوكرانيا». ولكن «مبادرة الطمأنة» التي أتى بها أوباما تظل، على ما يعتريها من عيوب ونواقص، خطوة أولى حذرة نحو استراتيجية تروم التأكد من أن تكون روسيا على يقين بأن "الناتو" سيفي بالتزامه الأساسي: الدفاع عن أعضائه. والواقع أن ثمة كلمة تعود إلى زمن الحرب الباردة وتصف بشكل جيد ما يحاول الرئيس القيام به: «الاحتواء». ولعل ذلك يبعث على بعض الاطمئنان بالنسبة لكل من يتذكر التاريخ! دويل مكمانوس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»