الأزمة الحالية في أوكرانيا تحتدم. والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فشلا في الإعداد لحكومة معتدلة مؤيدة للغرب، بل أطيح بالرئيس يانوكوفيتش في انقلاب دبرته المعارضة. واضطر يانوكوفيتش إلى الفرار بعد أن طلب حماية عاجلة من روسيا. وأصبح الطريق مفتوحاً أمام ما تبقى من البرلمان الأوكراني لإقرار قوانين تحت رقابة العيون اليقظة للحالة السياسية الأوكرانية الجديدة. ورفضت روسيا الاعتراف بالحكومة الانتقالية في كييف وظلت تعتبر يانوكوفيتش الرئيس الشرعي لأوكرانيا. ومع صعود المشاعر المعادية للروس وتبني قوانين مناهضة لروسيا وسقوط الحكومة السابقة في كييف، خلق كل ذلك مناخاً من الخوف لدى الأقلية الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا. وصعود نفوذ تيار اليمين في السياسة الأوكرانية يتجسد في أيديولوجية معادية للروس عند ما يطلق عليه «القطاع اليميني» (وهو ائتلاف من الجماعات اليمينية المتطرفة التي تتزعمها منظمة القوميين الأوكرانيين). وبعد الإطاحة بيانوكوفيتش دمرت جماعات «القطاع اليميني» نصباً تذكارياً يحتفي بتحرير الجيش الأحمر السوفييتي لأوكرانيا. وبدوره أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته لتعزيز القواعد العسكرية الروسية في منطقة القرم، متذرعاً بالفوضى المتزايدة ومناخ الخوف والتوجس الذي يعيشه السكان الروس في أوكرانيا. وكان رد فعل واشنطن سريعاً وحاداً. وانضم إلى أوباما وجون كيري وسوزان رايس مستشارة الأمن الوطني عدد من مسؤولي الإدارة والمشرعين في الحرص على إدانة موسكو. وقد صرح أوباما بأن التحرك الروسي لا يلائم الحقبة التاريخية الحالية. وحذرت رايس من أن شن غزو على أوكرانيا سيكون «خطأ كبيراً». وتميز جون كيري بما أبداه من غضب أخلاقي في تأكيدات مبالغ في ثقتها بنفسها (ولتتذكروا تصريحاته فيما يتعلق بأن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيماوية في وقت كان من غير الممكن تأكيد تلك الاتهامات، وتحول غضبه الأخلاقي فيما بعد إلى صمت مطبق). وإذا تناولنا تصريحاته بقدر من التصرف، فقد أدان كيري التحرك الروسي ووصفه بأنه فعل يعود إلى القرن التاسع عشر يُرتكب في القرن الحادي والعشرين. وأكد أن رد الفعل الروسي يمثل انتهاكا للقانون الدولي. ويمكن للمرء أن يشعر بعبء المعايير المزدوجة المطبقة هنا. وقد يسأل على سبيل المثال: أين كان هذا الغضب الأخلاقي الذي استيقظ فجأة في الآونة الأخيرة، عندما تحدى بوش الابن المجتمع الدولي ولم يكترث بميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة، فأرسل القوات الأميركية لتحتل العراق في حرب كلفت دافعي الضرائب الأميركيين ما يزيد على ملياري دولار وحصدت أرواح مليون عراقي؟ وأين كان الغضب الأخلاقي في عام 1996 عندما صرحت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت لبرنامج 60 دقيقة في شبكة «سي. بي. إس» الأميركية بأن مقتل عدد كبير من الأطفال في العراق نتيجة العقوبات المفروضة على العراق هو تضحية مستحقة كان يجب تقديمها لإضعاف قبضة صدام حسين على السلطة. وطبعاً لا يمكن الدفاع عن الحجة التي تقول إنه يجب علينا أن نغضب بسبب انتهاكات القانون الدولي عندما يرتكبها أعداؤنا، ولا نغضب عندما نرتكبها نحن أو أصدقاؤنا. فهذا النوع من الحجج سيظل يعرقل أي احترام عالمي حقيقي للقانون الدولي. وما دامت هناك دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة تضع نفسها فوق القانون، فإن الأمل في جعل مبدأ المساواة المحوري في الديمقراطية جزءاً من القانون الدولي سيظل أملاً مؤجلاً. وقد سارع بعض المنتقدين لإدارة أوباما ونظام بوتين إلى التوجس من أن تخرج الأزمة عن نطاق السيطرة، بشكل يدفع القوتين العظميين إلى مواجهة نووية. وتحديداً لأن المواجهة النووية ستكون مدمرة فإنها قد تعني نهاية الحياة على هذا الكوكب. وبسبب هذه الحقيقة فليس هناك ما هو معرض للخطر أكثر من الحياة نفسها، ولذا فإن نشوب حرب نووية بين القوتين العظميين غير مرجح إلى أقصى حد. وهذا يطرح السؤال التالي: ما الذي تكسبه أية دولة من تدمير متبادل خلال حرب مثل هذه. ويعرف هذا في الدراسات النووية والاستراتيجية باسم «الدمار المتبادل المؤكد». فلأول مرة في تاريخ البشرية لم يعد للحرب أي معنى. فحروب الماضي التي كانت وحشية كما يسجل ذلك التاريخ، وربما كان يمكن تبريرها لأنها تخدم بعض الأغراض مثل كسب رهان المنافسة على موارد المياه أو الأرض أو النفط أو الغذاء والثروات أو المجد الشخصي. أما الحروب النووية فلا تحقق أياً مما سبق بل تدمر كل شيء في طريقها. لقد هالتني نبرة التحريض على الحرب التي استخدمتها صحيفة تعتبر مؤثرة مثل «واشنطن بوست»، التي دعمت الغزو الأميركي للعراق دون أي أدلة على وجود أسلحة دمار شامل. وفي حالة أوكرانيا تمضي «واشنطن بوست» أيضاً إلى حد تشجع فيه بالفعل على استخدام القوة. ويستطيع محررو الصحيفة أيضاً أن يستعيدوا حكايات «سبع قصص من سيفاستوبول» للروائي الروسي الكبير ليو تولستوي، التي دارت أحداثها أثناء حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية. وقد كتب تولستوي «سترى أن الحرب ليست تشكيلات منظمة وبراقة وجميلة من الجنود بينما تُعزف الموسيقى وتُدق الطبول.. وإنما الحرب في تعبيرها الأصلي هي الدماء والمعاناة والموت».