كان طقس الصين الغائم يمثل الموضوع الرئيسي لمحادثات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء الرحلة التي قام بها مؤخراً إلى شرق آسيا. ولم تكن القضية تتعلق، بطبيعة الحال، بالتغير المناخي ولكن بالأحرى إعلان الصين الشهر الماضي عن منطقة جديدة للدفاع الجوي، الأمر الذي يتطلب من الطائرات التي تحلق عبر هذه المنطقة تحديد هويتها وتقديم خطة الطيران. وعلى الرغم من أن إعلان مثل هذه المناطق هو حق سيادي للدول، إلا أن المعيار الدولي يقضي بألا تعلن الدول من جانب واحد عن مناطق تتداخل مع المجال الجوي للدول الأخرى، وكذلك مع أراض متنازع عليها. وفي هذه الحالة، لم تلتزم الصين بهذه المعايير، حيث إن نصف منطقتها الجديدة تزدوج مع منطقة الدفاع الجوي الخاصة باليابان فوق أراض متنازع عليها بسلسلة الجزر اليابانية، (التي تطلق عليها اليابان اسم «سنكاكو» بينما تطلق عليها الصين اسم «دياويو»). كما أعلنت الصين كذلك عن سيطرتها على المجال الجوي فوق منطقة من أراضي كوريا الجنوبية التي يذكر أنها تضم مختبراً للبحوث المحيطية. وقد أعطى المؤتمر الصحفي الصارم والمتزن على نحو غير معهود الذي عقده جو بايدن عقب لقائه الرئيس الصيني شي جينبينج إحساساً بمدى معارضة الولايات المتحدة واليابان لمحاولة الصين توسيع وجودها في المنطقة. التوسع يمثل تحدياً لنقطة ارتكاز أوباما في آسيا، ولكن من غير الواضح ما تنوي الولايات المتحدة القيام به رداً على ذلك. مطالبة الصين بأن تتشاور مسبقاً قبل الإعلان عن مثل هذه المناطق والاتفاق على قواعد مستقبلية للاشتراك في أجواء متنازع عليها كمن يطلب من سائق متهور أن يتوخى الحذر على الطريق في المرة المقبلة. قد يكون ذلك بالكاد رفضاً كاملاً لتصرف الصين الأحادي الجانب. والمطالبة بالتراجع عن المنطقة، على الرغم من ذلك، يتعارض مع الحقوق السيادية للصين؛ لذا فإن مطالب بايدن شديدة اللهجة والتي لم تصل إلى حد مطالبة الصين بإلغاء منطقتها تعتبر اعترافاً ضمنياً منه بهذه الحقيقة، كما أنه لا توجد هيئة تنظيمية دولية لتلقي شكاوى حول إعلان مثل هذه المناطق، بالرغم من أن التداخلات في ترسيم الحدود تؤدي بالتأكيد إلى وقوع حوادث أو تقديرات خاطئة من جانب الطائرات الصينية واليابانية والكورية الجنوبية وحتى الأميركية. الإجراءات الصينية تعكس نظرة بكين بأنه يتعين على الولايات المتحدة الاستجابة لرغبة الصين في توسيع مجال نفوذها في آسيا، من الصعب على واشنطن تحقيق «فوز» في هذا السجال. ولكن إدارة أوباما قادرة على تحقيق هذا الفوز، وإذا كان هدف الصين على المدى الطويل، هو نزع شرعية القيادة الأميركية في آسيا، فإن التصرفات أحادية الجانب مثل إعلان منطقة الدفاع الجوي تقوض هذه الجهود، وتزيد من تقبل الدول الآسيوية لاستمرار قيادة الولايات المتحدة. وللاستفادة من هذه الفرصة، يجب على إدارة أوباما الاستجابة وفقاً لذلك. أولاً، ينبغي على واشنطن الحث على إرسال رسالة متناسقة مع الحلفاء الرئيسيين المتضررين من الإجراءات الصينية، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية اللتين تدهورت علاقاتهما خلال العام الماضي. وعلى سبيل المثال، فمن المرجح أن تعلن الكوريتان عن منطقة الدفاع الجوي الموسعة الخاصة بهما، رداً على لعبة الصين، حيث من المحتمل أن تتداخل هذه المنطقة أيضاً مع المجال الجوي لليابان. وعلى واشنطن التعامل مع مثل هذه الإجراءات بوسائل من شأنها تقليل الاحتكاك. وفي حين أن كل دولة حليفة لديها شكواها الخاصة بمجالها الجوي مع بكين، غير أنه لا يجب على كل طرف عقد صفقة جانبية لمعالجة الأمور التي تثير مخاوفه على حساب الآخرين. هذا النوع من استراتيجية «فرق تسد» يصب مباشرة في مصلحة الصين وقد يؤدي الى قيام الصين باستغلال النفوذ المفرط في المنطقة. والنقطة الثانية هي أنه حتى وإنْ كانت الصين تطالب مجدداً بالمجال الجوي في منطقة البحر الأصفر وبحر الصين الجنوبي، إلا أنه يجب على الولايات المتحدة الحفاظ، أو حتى الزيادة من وتيرة المناورات والعمليات العسكرية في المنطقة، بما في ذلك تلك التي تمارسها مع الحلفاء، حتى تبعث برسالة واضحة ومتوافقة تؤكد أن أميركا لا تزال تتعهد بالحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة. وأخيراً، فإنه يجب على واشنطن استغلال الجدل الدائر حول منطقة الدفاع الجوي هذه للضغط على الصين لكي توافق على شكل من أشكال آلية إدارة الأزمة بين الدول الأربع في منطقة شمال شرق آسيا. وحالياً، لا توجد أنظمة للاستجابة لحوادث اصطدام الطائرات أو غيرها من الحوادث. والإنشاء الوشيك لأجهزة مسؤولة عن صنع القرار، على غرار مجلس الأمن القومي، في الصين واليابان - حيث إنه يوجد مثل هذا الجهاز بالفعل في كوريا الجنوبية- من شأنه تسهيل آلية إدارة الأزمات المتعددة الأطراف. الإجراء الذي اتخذته الصين مؤخراً في استعراض للعضلات يجعل محور الولايات المتحدة يلقى ترحيباً كبيراً في آسيا. وقد تكسب الصين المعركة حول حقها في إعلان منطقة دفاع جوي خاصة بها، ولكن إذا استجابت واشنطن بدهاء، فمن المتوقع أن تخسر بكين في معركة الزعامة على المدى الطويل. من ناحية أخرى، أعرب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني عن معارضته الشديدة لقرار مجلس النواب الياباني بشأن منطقة الدفاع الجوي، والذي يحث الصين على إلغاء إقامة منطقة الدفاع الجوي الجديدة. وقالت لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس إن الجانب الياباني لا يحق له إصدار تصريحات غير مسؤولة بشأن إقامة منطقة الدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي وشددت اللجنة على أنها تعارض بشدة ما يسمى بالقرار الياباني. وأضاف البيان «أن إقامة الصين لمنطقة الدفاع الجوي أمر معقول ومشروع ويتماشى مع القانون الدولي والممارسات الدولية». فيكتور تشا أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»