ها قد صرنا على بعد بضعة أسابيع فحسب، من المعركة الانتخابية الفاصلة. ومع التقدم الطفيف الذي لا يزال يحرزه بوش في كافة استطلاعات الرأي العام التي أجريت، تظل هناك مسألة انتخابية وحيدة، لم يتم الاتفاق عليها بعد، ألا وهي العراق. ففي الإمكان اتهام كل من بوش ومنافسه كيري بالإدلاء بتصريحات جد متضاربة ومتناقضة في السابق حول العراق. غير أنهما في الأسابيع القليلة الماضية، عبرا عن رؤى وتصورات متماسكة، وبرهن كلاهما على عمق الاختلافات بين تصوراتهما لما يفترض أن يكون عليه العراق. فمن جانبه يتحدث بوش عن العراق باعتباره قصة نجاح لا تزال في مرحلة الكتابة. ويشير ضمنا في حديثه إلى أن الديمقراطية والحرية تلوحان في سماء العراق الآن.
كما يلمح إلى أن ما يحدث هناك من أعمال عنف، إنما هو ناجم عن نشاط إرهابي معاد، وأن الأمور ستمضي نحو الأفضل في نهاية الأمر. وبدا معتقدا أن الأميركيين يتطلعون إلى سماع أخبار حسنة عن العراق. وكان في حديثه قريبا جدا من القول، إنه وفيما لو تحقق له الفوز بدورة رئاسية جديدة، فإنه سوف يكون لأميركا وجود طويل الأمد في العراق، وأنه سوف يمضي قدما في تنفيذ مشروعه الخاص بحفز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، بما يقدم حلولا بعيدة المدى لمشكلتي الإرهاب والعنف.
أما منافسه الديمقراطي جون كيري، فقد عانى كثيرا من أجل تمييز موقفه ورؤيته عن موقف ورؤية خصمه بوش. فقد سبق لكيري أن صوت بصفته عضوا في الكونجرس بجواز استخدام القوة ضد العراق، في عام 2002. ولكنه صوت لاحقا ضد قانون يخول تمويل العمل العسكري الذي صوت لصالحه. وقد منح ذلك التناقض الرئيس بوش فرصة لمهاجمته ووصفه بعدم الاتساق في موقفه إزاء الحرب في العراق. وقد رد كيري على ذلك الهجوم بقوله إن التهديد باستخدام القوة كان ضروريا، إن كان للمفتشين الدوليين أن يعودوا إلى العراق، وإن كان لصدام أن يتخذ خطوة جادة نحو الامتثال لقرارات الأمم المتحدة.
وأوضح أن تصويته سلبا على تمويل الحرب، قد بني على قناعته بأن بوش قد أصدر قرارا أحاديا بشن حملته العسكرية على العراق، وهو أمر يتنافى والواجب المعلن، الخاص بمكافحة تنظيم القاعدة. والآن يعلن كيري أن الحرب على العراق كانت خطأ، بسبب بطلان الذرائع والحجج التي شنت بسببها الحرب، من ادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، ومن اختلاق علاقة بين صدام حسين وتنظيم القاعدة. ومع اعتراف كيري بأن صدام حسين طاغية بغيض، إلا أنه لا يرى في ذلك مبررا كافيا لدخول الولايات المتحدة في حرب ضده. ومضى كيري للقول إن مسار الحرب كان خاطئا منذ البداية. أول تلك الأخطاء أنه كان في الإمكان بذل المزيد من الجهد، لاستقطاب عدد أكبر من دول العالم للتحالف الدولي من أجل الحرب. وقال إن ذلك الواجب كان أسهل مما قد تحقق بالفعل.
كما أعرب عن رأيه في أن القوة العسكرية التي غزت العراق وأطاحت بنظام صدام حسين، كانت أصغر من أن تكفي لتوفير الأمن عقب انهيار النظام. واتفق كيري مع الكثيرين في المؤسسة العسكرية، ممن قالوا إنه طالما لجأت الولايات المتحدة لاستخدام القوة، فإن من الواجب أن تستخدم بكامل ثقلها حتى تحقق ضربتها القاضية الحاسمة. وانتقد كيري الطريقة التي تم بها تسريح الجيش العراقي، على يد الحاكم الأميركي في العراق، بول بريمر. إلى ذلك مضى كيري في سرد انتقاداته لمجمل ما رآه من أخطاء ونقاط ضعف لازمت مسيرة الحرب وما بعدها في العراق.
أما فيما يتعلق بخطته هو الخاصة بالعراق، قال كيري إنه سيحاول تدويل مهمة حفظ السلام والأمن هناك، علاوة على تسريع التدريبات الخاصة بالقوات العراقية، إضافة إلى محاولة إعادة توجيه بنود صرف المساعدات الأميركية للعراق، في مجال خلق الوظائف وفرص للعراقيين العاطلين. وكان كيري واضحا في التعبير عن عدم رغبته في الحفاظ على وجود قواعد عسكرية بعيدة المدى في العراق، مرفقا ذلك بالوعد بعودة القوات الأميركية الموجودة حاليا في العراق، خلال بضع سنوات لا أكثر.
ولخص كيري هدفه بقوله إن ما نصبو إليه في العراق، هو أن يتحول هذا البلد إلى دولة مستقرة لا تهدد أمن جيرانها. أما إن كان ممكنا تحويله إلى بلد ديمقراطي، فذلك أمر حسن. غير أن كيري، لم يعط هذا الهدف الأخير تلك الأولوية التي أعطاها إياها بوش –على الأقل على المستوى اللفظي-.
كما أكد كيري على أن الخطر الأمني الأكبر على الولايات المتحدة، إنما يأتي من تنظيم القاعدة والتطرف، وليس من العراق. بل استطرد كيري للقول إن الأوضاع الراهنة في العراق، تغذي التيار الراديكالي الإسلامي المتشدد.
لذا فقد أوضح كيري أولويته المتمثلة في إعادة تركيز الجهود على مكافحة تنظيم القاعدة، وإعادة ترتيب العلاقات مع العالم العربي الإسلامي، على نحو يساعد في بناء الثقة المتبادلة مع ذلك العالم على الرغم من أنه لم يفصل كثيرا الكيفية التي سوف يتم بها ذلك. يلاحظ هنا أنه لا الرئيس بوش ولا منافسه كيري، قالا الكثير عن مساعيهما أو رؤيتهما المستقبلية لإحياء عملية السلام الإس