تجتمع اليوم مجموعة من البلدان المؤثرة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والشرق الأوسط في جنيف من أجل الاتفاق على خطة عمل للسلام في سوريا. فالوضع صعب للغاية، ذلك أنه منذ الربيع الماضي، انتفضت آلاف مؤلفة من السوريين مطالبة بالتغيير. وإذا كانوا قد تظاهروا بشكل سلمي في البداية، فإن البعض منهم لجأ إلى حمل السلاح أمام الوحشية المروعة التي قابلتهم بها الحكومة. هذا في حين آثر آخرون، ولاسيما أعضاء الأقليات، الوقوف في الوسط أو دعم الحكومة لأنهم يخشون البديل. الوضع المضطرب الذي نتج عن ذلك صدم العالم بأسره، حيث استعرت المعارك في المدينة تلو الأخرى. وتعرضت أحياء بكاملها للقصف لتتحول نتيجة لذلك إلى أطلال. وذُبحت عائلات. كما قُتل آلاف الأشخاص واعتُقلت آلاف أخرى، في حين فر مئات الآلاف من منازلهم. وإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المدنيين عالقون في مناطق المعارك، حيث لا يتلقون أي رعاية طبية أو مساعدات إنسانية. ثم وصل العنف إلى العاصمة دمشق وامتد إلى المحافظات المجاورة. ومع ازدياد حالة الفوضى، سعت بعض العناصر الإرهابية إلى استغلالها. وفي مارس الماضي، وافق الجميع على خطة من ست نقاط وفرت سلَّماً تستطيع الأطراف نزوله وآلية – بعثة المراقبة التابعة للأمم المتحدة في سوريا – لمساعدتها على الحفاظ على وقف إطلاق النار حتى يتسنى بدء المفاوضات السياسية. ولكن تلك الخطة لم تطبق. وبعد هدنة أولية، ازداد العنف سوءاً، حيث مازالت الحكومة السورية، التي تتحمل المسؤولية الأكبر، تستعمل العنف المفرط ضد المحتجين، المسلحين وغير المسلحين. ومن جانبها، تفتقر المعارضة إلى الوحدة، وقد قامت بعض عناصرها بتكثيف هجماتها على القوات والمنشآت الحكومية. وأمام هذا الوضع، اضطر المراقبون الأمميون غير المسلحين إلى تعليق أنشطتهم. ولكنهم مازالوا في مواقعهم، مستعدين لاستئناف مهامهم إذا أظهرت الأطراف إرادة سياسية. وقريباً سيحسم مجلس الأمن الدولي بشأن مستقبل البعثة. إن النزاع القائم هو بين السوريين، ولذلك فإن السوريين هم الذين يجب أن يقوموا بحله. غير أنه سيكون من السذاجة الاعتقاد بأنهم يستطيعون، بمفردهم، إنهاء العنف الآن ودخول عملية سياسية ذات معنى، وذلك لأن ثمة أطرافاً خارجية كثيرة منخرطة فيه بشكل كبير. فرغم الوحدة الرسمية وراء خطة الست نقاط، فإن انعدم الثقة جعل هذه الأطراف تعمل بنوايا مختلفة. وعن قصد أو عن غير قصد، شجعت هذه الأطراف الحكومة وأجزاءً من المعارضة على الاعتقاد بأن القوة هي الخيار الوحيد. وغني عن البيان القول إن هذا الأمر لا يخدم مصلحة أحد ،وخاصة مصلحة الشعب السوري. وعليه، فقد حان الأوان لكي يتصرف كل من لديه تأثير على الأطراف، وكل من يتحمل المسؤولية عن السلام والأمن الدوليين، على نحو إيجابي من أجل السلام. وفي هذا الإطار، وبدعم من الأمينين العامين للأمم المتحدة والجامعة العربية، طلبتُ من مشاركين في اجتماع اليوم تشكيل مجموعة عمل سيعمل أعضاؤها معاً إلى حين تحقيق السلام. المشاركون يشملون أولئك الذين لديهم تأثير على الحكومة السورية وعلى معارضتها. ويجب على أعضاء هذه المجموعة العمل معاً في انسجام من أجل إنهاء إراقة الدماء وتطبيق خطة الست نقاط وتجنب مزيد من عسكرة النزاع. فمن الواضح جداً أن العنف لن يتم وقفه من دون ضغط مشترك ومستمر من أولئك الذين لديهم تأثير ونفوذ على الأطراف السورية المختلفة، ويشمل هذا الضغط عواقب عن عدم الامتثال. ولكن ثمة شيئاً آخر أساسياً، إذ أتوقع من كل من سيحضرون اجتماع اليوم الاتفاق على ضرورة الوصول إلى عملية انتقالية بقيادة السوريين وفقاً لمبادئ وقواعد واضحة. وفي هذا الإطار، فإنه لابد من أن يكون ثمة مستقبل ديمقراطي وتعددي لسوريا يحترم المعايير الدولية حول حقوق الإنسان ويحمي حقوق كل المجموعات. ويجب أن يشمل ذلك حكومة وحدة وطنية تمارس سلطات تنفيذية كاملة، حكومة يمكن أن تشمل أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى، على أن الأشخاص الذين من شأن استمرار حضورهم ومشاركتهم إضعاف مصداقية العملية الانتقالية وتهديد الاستقرار والمصالحة سيتم استبعادهم. كما يجب أن تشمل العملية الانتقالية أيضاً حواراً وطنياً مهماً ومراجعة دستورية تكون موضوع موافقة شعبية، متبوعة بانتخابات تعددية حرة ونزيهة. وإضافة إلى ذلك، يجب ضمان الاستقرار والهدوء طيلة هذه الفترة من قبل مؤسسات عاملة وحماية كل المجموعات داخل المجتمع السوري المتنوع. ولابد كذلك من أن يكون ثمة التزام بالمحاسبة والمصالحة الوطنية. إنه لا بديل عن العمل الشاق والصعب المتمثل في مساعدة السوريين على صياغة مستقبلهم السياسي، وذلك في احترام تام لسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها. والواقع أن المجتمع الدولي متفق منذ وقت طويل على أن أي عملية انتقالية في البلاد يجب أن تكون بقيادة السوريين أنفسهم. ولذلك، يجب أن نتحد لمساعدة الشعب السوري على احتضان هذا المستقبل وتحقيقه من خلال الوسائل السلمية. والأكيد أنه إذا كان كل المشاركين في اجتماع اليوم مستعدين للتصرف على هذا النحو، فإننا سنستطيع وقف العنف والانكباب على طريق يفضي إلى سلام يقرر فيه الشعب السوري مستقبله بنفسه. أما إذا لم يحدث ذلك-فإن الدوامة نحو الأسفل ستستمر- وقد يصبح قريباً من غير الممكن وقفها. كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المشترك إلى سوريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"