خلال الاستراحة بين الجلسات في أحد المؤتمرات وقفنا نشرب الشاي انتظاراً للجلسة التالية. وكان من بين الواقفين مشارك أوروبي بدا عليه الانزعاج من الحرارة التي لم تتجاوز يومها 35 درجة مئوية، وأثناء الحوار سألني من أي بلد أنت؟ وقبل أن أجيبه انبرى أحد الزملاء الخليجيين مجيباً، هذا من البلد التي استطاع أن يقنع الناس بالسياحة في درجة حرارة 45 مئوية! قَلَبَ صاحبنا حاجبيه وقال متعجباً: سياحة في هذه الحرارة! كيف تستطيعون العيش في هذه الأجواء عدى أن يأتيكم سائحون؟! تذكرت هذا الموقف الطريف، وأنا عائد يوم الأحد الماضي من مدينة جدة، وقد امتلأت الطائرة بأعداد من أشقائنا السعوديين مع عوائلهم التي يبدو أنها قدمت للإمارات للسياحة، وكنت يوم الأحد الذي سبقه عائداً كذلك من الرياض، وقد تكرر المشهد. وسألت أحد المضيفين عن عدد الرحلات التي تقوم بها شركتهم بين دبي والرياض، فقال إنها خمس رحلات يومياً، أما الرحلات الأسبوعية بين المطارات السعودية ومطار دبي فتبلغ 47 رحلة أسبوعياً! إلى جانب الرحلات إلى العاصمة أبوظبي ومدن الإمارات الأخرى. كما أن هناك شركات عدة تقوم برحلات كذلك بين المملكة والإمارات، وأثناء متابعتي على موقع "تويتر" لفت انتباهي مشاركة كتب صاحبها يقول: "أدعوا إخواني الإماراتيين والمقيمين في الإمارات إلى عدم الذهاب إلى المراكز التجارية وإعطاء الفرصة لأشقائنا وأصدقائنا الضيوف لأن المراكز التجارية مزدحمة "! لقد"حشدتُ" هذا الأمثلة لبيان أننا في الإمارات نعيش حياتنا الطبيعية، بل نشعر بـ "الازدحام" في كل مكان نذهب إليه عكس ما نشرته إحدى الصحف الغربية حين صورت مدننا بأنها مدن "غادرها الناس"! ولا أعلم كيف وصل صاحب الفكرة إلى هذه النتيجة؟ إن مشكلتنا مع من ينشر عنا أن كثيراً منهم ينطلق من موقف انطباعي اتخذه عن منطقتنا، التي مازال يعتقد أنها بيئة صحراوية تعصف فيها الرياح، ولا يحتج أحد بالمهنية الصحفية أو الخبرة أو التعبير الخيالي! فقد رأينا كثيراً من هذه (النماذج ) عند بداية الأزمة الاقتصادية عام 2008 حيث توالت التقارير والتحقيقات والصور عن أثر الأزمة على منطقتنا، ورسم بعضهم صورة قاتمة لمنطقتنا، حتى أن زميلاً من إحدى الدول سألني - يومها- : هل صحيح أن الناس تترك سياراتها في المطار عندكم وتغادر؟! وأن هناك أكثر من 2000 سيارة تركها أصحابها في مواقف المطار، فضحكت وقلت له: إن مواقف المطار لا تصل لهذا العدد، فكيف استطاعوا إيقافها هناك! واليوم تعود مثل هذه الوسائل مرة أخرى، وإذا كنا نعلم سببها في تلك الفترة، فما هو سببها الآن؟ يجب أن لا نذهب بعيداً إلى نظرية المؤامرة ومن يقف خلفها، بل ربما نعود إلى أسباب أخرى لعل في مقدمتها تبرير حالة الاضطراب المالي التي تعيشها الولايات المتحدة وأوروبا خاصة منطقة "اليورو"، التي تكاد تزلزل الاقتصاد الأوروبي وتجر الاقتصاد العالمي معها، ويعلن قادتها أن القادم أسوأ، وكأنهم يقولون لقرائهم وشعوبهم "لسنا وحدنا"! فهذه الدول النفطية الغنية تواجه ذات المشكلة حتى أن مدنهم "يغادرها الناس". وقد وجدنا عند بداية الأزمة كيف استخدموا وسائل الإعلام ببرامجها وتقاريرها ومقابلاتها وصورها ضد الدول الغنية، وخاصة دول الخليج العربي للضغط عليها من أجل ضخ مزيد من الأموال والاستثمارات لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي، وكأني بهم يعيدون الكَرة مرة أخرى، وهم يواجهون أزمة "اليورو". إن أحداً في المنطقة لا يرغب في كساد اقتصادي، أو استمرار الأزمة المالية التي تلف العالم، كما أن أحداً في المنطقة أيضاً لا ينفي تأثرها بهذه الأزمة، لكن دول المنطقة عملت خلال السنوات الثلاث الماضية على الخروج من هذه الأزمة، واتخذت حزمة من الإجراءات للتخفيف من آثارها، بل أسهمت مع المؤسسات المالية في العالم على إيجاد الحلول التي تخفف آثار هذه الأزمة . لكن دول المنطقة، لن تبقي الأنبوب الذي لا يُغلق! فلديها التزاماتها الوطنية تجاه مجتمعاتها وشعوبها. كما أن لديها برامجها التنموية التي تشكل أولوية بالنسبة لها، ولذا فإن محاولات "الابتزاز" الإعلامي لن تجدي نفعاً، وإذا كانت بعض وسائل الإعلام الغربية تعتقد أنها بتقرير هنا ومقالة ورسومات وصور هناك تستطيع أن تغير الواقع، فإن الناس تجاوزوا ذلك، فالإعلام الحديث وشبكات التواصل أصبحت أكثر تأثيراً وأسرع في الوصول إلى الحقائق، لكن ذلك لا يمنع من الرد على مثل هذه التقارير، التي ترسم صورة سيئة عن مجتمعاتنا، يتم استخدامها في كثير من الأحيان للإساءة إلى دول المنطقة وشعوبها، وتلك جزء من المسؤولية على وسائل الإعلام في منطقتنا. فعليها أن تتجاوز دائرتها المحلية للوصول إلى مواطن التأثير في مراكز القرار في الشرق أو الغرب، وخاصة في الدول التي تربطنا معها مصالح مشتركة، حتى لا يأتي كاتب أو صحفي ويصور مدننا بأنها "غادرها الناس"، دون أن يكلف نفسه البحث عن الحقيقة، فمثل هؤلاء الكتاب لا يستطيعون أن يحددوا موقع مدينة خليجية على الخريطة عدا أن يتحدثوا عنها!