على رغم اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية، فإنه لا زال من الصعب علينا إلى حد كبير تبيُّن أوجه الاختلاف الحقيقية بين بوش ومتحديه الديمقراطي جون كيري فيما يتعلق بمسائل السياسة الخارجية بشكل عام و الشرق الأوسط بشكل خاص. وعلى رغم أنه لازالت هناك فروق دقيقة بشأن الطريقة التي يتحدث بها بوش وكيري حول العراق، فإنه لا يكاد يوجد أي فارق على الإطلاق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فالرجلان يتبنيان تقريباً موقفاً مؤيداً لشارون، كما أنهما يوافقان على كل ما يريده. وظاهرة التودد بغرض اجتذاب أصوات الأميركيين المؤيدين لإسرائيل ليست بالظاهرة الجديدة. فنحن نرى هذه الظاهرة تتكرر كل 4 سنوات، وكثيراً ما تصحبها بيانات حول السرعة التي سيقوم بها هذا المرشح أو ذاك بنقل مقر السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، إذا ما قام الناخبون بالتصويت لصالحه. ويجب علينا في هذا السياق، أن نتذكر أيضاً أن الوعود التي يتم تقديمها من المرشحين في السباق الانتخابي، لا تمثل دائماً دليلا جيداً على الخيارات الحقيقية التي سيتبناها الرئيس عندما يتولى الرئاسة.
والناخبون المؤيدون لإسرائيل – كما هو معروف- يمثلون قطاعاً مهماً في أميركا. فنحن نرى أن معظم الناخبين اليهود يقومون عادة بتوجيه اهتمام خاص لما يقوله المرشحون للرئاسة عن إسرائيل، كما أن عدداً كبيراً من المسيحيين الصهاينة، خصوصاً الإنجيليين، يقومون بنفس الشيء تقريباً. والرأي التقليدي السائد في الولايات المتحدة هو أن الناخبين اليهود يكونون عادة مرتاحين بشكل أكبر مع الحزب الديمقراطي. ففي المتوسط، يستطيع المرشح الديمقراطي أن يضمن الحصول على 80 في المئة من أصوات الناخبين اليهود. صحيح أن كلينتون قد حصل على نسبة أكبر من هذه، ولكن نائبة آل جور حصل في انتخابات 2000 التي خاضها ضد بوش على نفس هذه النسبة تقريباً.
ومن حين لآخر، ينجح الجمهوريون في تحقيق اختراقات جدية كما فعل رونالد ريجان في حملتيه عامي 1980 و1984. وبوش كما هو واضح، يأمل في الحصول على نسبة مرتفعة من أصوات الناخبين اليهود مثل تلك التي حصل عليها ريجان. كما يأمل بوش أن يساهم موقفه القوي المؤيد لإسرائيل على طول الخط في حشد قاعدة قوية من الناخبين الإنجيليين. وشارون أوشك تقريباً على منح تأييده لبوش، وهو أمر سيكون في صالح الأخير حتماً. ومع ذلك فإن بعض استطلاعات الرأي تظهر أن بوش لا يحصل عادة في تلك الاستطلاعات سوى على 20 في المئة من أصوات اليهود. والسبب في ذلك بالطبع هو أن كيري يقدم خطاباً انتخابياً قوياً أمام الناخبين... لكن كيف ذلك؟... للإجابة على هذا السؤال دعونا نلقي نظرة على سجل كيري.
كسيناتور، كان كيري بشكل عام يصوت لصالح إسرائيل على الدوام، علاوة على أنه زار إسرائيل عدة مرات، كما أن أخاه اعتنق اليهودية وأسلوب خطابه في الآونة الأخيرة لا يختلف كثيراً عن أسلوب بوش. لذلك، فإن السؤال هنا هو: هل سيؤدي انتخاب كيري إلى إحداث أي فرق في السياسة الخارجية الأميركية تجاه إسرائيل؟
أنا لا أعرف جون كيري شخصياً، ولكنني أعرف بعض مستشاري السياسة الخارجية المحيطين به... كما أنني قرأت بعناية معظم ما قاله الرجل عن الشرق الأوسط. وقد توصلت إلى استنتاج مؤداه أن هناك بعض الفروق بين موقف كيري وموقف إدارة بوش، ولكن هذه الفروق أقل وضوحاً الآن عما كانت عليه منذ عام تقريباً عندما كان كيري يتحدث بشكل أكثر تلقائية. وتخميني هو أن ملاحظاته الأولى تعكس آراءه الحقيقية وأنه بمجرد أن تنتهي الانتخابات فسيقوم بالارتداد إليها.
وإذا ما كان هناك نقد واحد لسياسة بوش يمكن لكيري أن يوجهه فهو ذلك الخاص بأن الرئيس قد انشغل تماماً عن دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلاوة على ذلك صرح كيري بأنه سيكون أكثر نشاطاً، وأنه سيركز على (المرحلة النهائية للسلام)، وقد يقوم بتعيين مبعوث رئاسي من وزن كارتر، أو بيكر، أو سكوكروفت، أو كلينتون. وفي مرحلة من المراحل قال كيري إن المفاوضات يجب أن تبدأ من النقطة التي توقفت عندها في طابا... وهو شيء لم نسمعه على الإطلاق من بوش.
كما أشار كيري أيضاً إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تولي المزيد من الاهتمام لآراء حلفائها، كما أنه يرى أن هناك صلة بين السلام العربي – الإسرائيلي ومحصلة الحرب على الإرهاب. لذلك فليس من الصعب علينا تخيل أن كيري- إذا ما قدر له أن يكون رئيساً- سيحاول القيام بنفخ روح جديدة في (عملية السلام) التي تخلت عنها إدارة بوش تماماً الآن.
من ناحية أخرى، يجب على المرء ألا يغفل أن كيري قد أصبح يتحدث عن عرفات الذي سبق له أن قابله، بنفس درجة الفظاظة التي كان يتحدث بها بوش عنه. على رغم أن الأخير لم يقابل عرفات وجهها لوجه في حياته. وعلاوة على ذلك قام كيري بتأييد الموقف الذي تبناه بوش في مايو 2004 عندما قال إن على إسرائيل الاحتفاظ ببعض المستوطنات في أية تسوية نهائية، وإنه يجب عليها عدم الموافقة على عودة أي لاجئ فلسطيني إلى أرض إسرائيل في حدودها التي كا