منذ أربع سنوات كان أناس كثيرون ينتظرون بلهفة أن يصدر عن قمة كامب ديفيد إعلان عن التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. وهناك جدل كثير حول حقيقة ما حدث في تلك الفترة المشؤومة. وهناك ثلاثة كتب ستساعدنا في الوصول إلى إدراك جديد واضح وعميق، ولا سيما حول الدور الأميركي. كتاب "حياتي"لبيل كلينتون هو الأكثر فائدة بسبب تفسيره للشخصيتين الرئيسيتين "إيهود باراك" وياسر عرفات. وكتاب "السلام المفقود" لدينيس روس يقدم تفاصيل مدهشة ويطلق حكماً قاسياً على عرفات باعتباره "غير مؤهل" لوضع نهاية للنزاع. وأخيراً، هناك كتاب جديد ستنشره قريباً "كارولين سويشر" بعنوان "الحقيقة حول كامب ديفيد"، وهو يلقي نظرة انتقادية جداً على دور "دينيس روس" بالذات. لقد انخرط الفلسطينيون والإسرائيليون، قبيل قمة كامب ديفيد في منتصف عام 2000، في مفاوضات سرية وجادة في السويد. وأُنتجت مسودة عمل تطرقت إلى كافة مسائل الوضع النهائي باستثناء القدس. لكن تلك المحادثات اُنهيت عندما تلقت اهتماماً عاماً قبل الأوان. ويبدو أنه كان هناك تسريب إلى الصحافة من الجانب الفلسطيني، ومن المحتمل أن يكون مصدره أحد أعضاء مجموعة مستشاري عرفات الكبيرة إذ شعر بأنه تم إقصاؤه من المحادثات السرية. وكان "باراك" هو من أصرّ على عقد لقاء قمة بعد تعليق المفاوضات في السويد. وكلينتون، المتعاطف دوماً مع مشكلات "باراك" الداخلية السياسية، أدرك أن الوقت ينفد من بين أصابع الزعيم الإسرائيلي، فكان عازماً على الدعوة إلى عقد لقاء قمة مبكر.
وهكذا، انعقدت القمة بقدر ضئيل من الاتفاق المسبق حول المسائل المهمة. وفي الواقع أن كلينتون لم يدرك جيداً ما كان "باراك" مستعداً لتقديمه. وكانت قراءته لموقف عرفات أكثر دقة؛ وشعر أن عرفات سيحتاج إلى انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة وبنسبة تقترب من 100% قدر الإمكان، وإلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإلى اتفاق حول موضوع اللاجئين لا يتطلب منه التخلي عن حق العودة. وما إن بدأت القمة حتى اتضح أن "باراك" وعرفات لن يتفاوضا مباشرةً. وفي الواقع أن "باراك"، الذي ضغط كثيراً من أجل القمة، أصبح منطوياً على نفسه وقليل الكلام متحججاً للأميركيين بأن استراتيجيته تقتضي ممارسة أقصى حد من الضغوط على عرفات لكي يقدم تنازلات- تكتيك "وعاء الضغط". كان "روس" قد دفع كلينتون في الأصل إلى اقتراح مسودة خطة أميركية. لكن "باراك" اعترض بقوة لدى عرضها، ومضى إلى حد اتهام الفريق الأميركي بأنه موال للفلسطينيين. وتخلى كلينتون عن فكرة المسودة الأميركية، واقترح بدلاً عنها ورقة عمل لخصت آراء الجانبين لكنها ضمت فقرة حول القدس أثارت جدلاً كثيراً.
ومضى الأسبوع الثاني من القمة قبل أن يبدأ "باراك" بالتزحزح عن موقفه العنيد، وعندئذ كتب عرفات رسالة غامضة إلى كلينتون وبدا أنها تقول إنه إذا أمكن التوصل إلى اتفاق حول القدس، فإن عرفات سيتمكن من اتخاذ قرار حول مقدار ما سيذهب من الضفة الغربية إلى إسرائيل لإسكان 80% من المستوطنين وحول مساحة الأرض التي ستتم "مقايضتها" لتعويض الفلسطينيين ولاسيما في غزة. وعلى هذا عقد كلينتون محادثات مطوّلة مع "باراك" وأخذ أخيراً فكرة عن النقطة الجوهرية الإسرائيلية. وكان مفترضاً أن يتنازل "باراك" عن أكثر من 91% من الضفة الغربية وعن كل غزة، وأن يقايض 1% من الأرض قرب غزة، وبعض الأحياء العربية في القدس، وأن يعترف بالسيادة الفلسطينية على الأحياء الإسلامية والمسيحية في المدينة القديمة. وبذلك يكون الحرم القدسي الشريف تحت "الوصاية" الفلسطينية. لكن "باراك" لم يوافق على السيادة الفلسطينية. وبخصوص اللاجئين، قال ببساطة إنه لابد من إيجاد حل متفق عليه من الطرفين.
وكان رد عرفات الأولي سلبياً. وطرح الفلسطينيون أسئلة كثيرة، لكن كان هناك نقاش حقيقي. ثم غادر كلينتون لأيام، ولم يحدث شيء إيجابي في غيابه؛ وعندما عاد، حاول دفع عرفات إلى الموافقة على صيغة جديدة تعترف بـ"السيادة الوصائية" الفلسطينية على الحرم القدسي. ومرة أخرى قال عرفات لا، فبلغت القمة نهايتها. وعلى رغم إخفاق القمة، لم تتوقف المفاوضات. ومع اقتراب نهاية سبتمبر، كان كلينتون مستعداً لتقديم جملة جديدة من المقترحات الأميركية التي اقتربت هذه المرة أكثر نحو الموقف الفلسطيني حيال القدس. لكن "شارون" في تلك الفترة زار الحرم القدسي وسرعان ما بدأت الانتفاضة الثانية. وقرّر كلينتون عدم المضي في مقترحاته؛ لكنه لم يستسلم.
وفي نوفمبر، التقى كلينتون بعرفات وأعطاه فكرة واضحة نسبياً عمّا هو مستعد لاقتراحه. وفي هذه الفترة، جرت الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن لم يكن واضحاً من سيكون الرئيس التالي. ولتلهفه على صيانة علاقاته الطيبة بكلينتون، قال عرفات له إنه مستعد لبذل جهد إضافي جدي وإن من الممكن للأفكار الأميركية أن تشكل أساساً لاتفاق. وطغت موجة من التفاؤل على الوفد الأميركي، على رغم أن التأييد الداخلي لـ" باراك" كان يتآكل يوماً بعد يوم. وأخيراً قدّ