كل ما أراد المتفائلون تقريب زوايا المشهد اليمني نحو رؤية البلد الواحد ذي السيادة الكاملة على أراضيه، بعثر المتشائمون هذه المساعي الرامية إلى التقريب، أو إلى اكتمال المشهد الكامل، وكأننا أمام لعبة "البزل" المعروفة، ولكن اللاعبين هذه المرة أطفال وليسوا كبارا ناضجين، أو ربما يكونون كذلك، ولكنهم مغرضون طامعون. أحجمت بعض الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان، عن الالتفات للإنسان اليمني وتمكينه من حقوقه، وتسعى للتركيز على مكافحة الإرهاب فقط، وأن يكون دعمها اللوجستي في هذا الإطار دون غيره، وكأنها بذلك العمل تقول "إن ما يخص حقوق الإنسان اليمني لا يعنينا في شيء، وما يعنينا هو أمننا فقط"، فهل هذا تناقض في الرؤية لحقوق الإنسان، أم هي مساع للمحافظة على عدم اكتمال المشهد، ومحاولة بعثرة ما اكتمل منه؟ بين تلك الدول الغربية دولة لها أطماع واضحة، ليس في اليمن بمجمله، وإنما في أجزاء منه، وتلك الأطماع لم تستطع العقود الطويلة التي مرت عليها أن تزيل من ذائقة تلك الدولة طعم هذه الأجزاء الحيوية، وما زالت تحلم بالعودة لها!. تتعامل تلك الدول ببيروقراطية غير معهودة أمام الوعود التي قطعتها في مؤتمر لندن لمانحي اليمن الذي عقد في العاصمة البريطانية في شهر نوفمبر 2009، ومستغربة منها، وهي الرائدة في اللامركزية، بل يشهد لها بديناميكية العمل الإداري وتحرره من الإجراءات المعقدة، وهذا ما دعا نائب رئيس مجلس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية إلى التصريح بانتقاده لمثل هذه الإجراءات المفتعلة لوسائل إعلام متعددة على هامش مؤتمر الرياض للمانحين، الذي عقد يومي السبت والأحد الماضيين في السعودية. لا يسع تلك الدول أن ترى أفراد الشعب اليمني ينعمون بالأمن والاقتصاد القوي الذي يحقق لهم العيش الكريم عبر ما تتوافر فيه من وظائف لشبابه، وتنمية للمجتمع، ولا تستطيع تلك الدول أيضاً أن ترى مؤشر الفقر في اليمن، وهو يميل للون الأحمر حسب مصطلحات متداولي البورصات العربية هذه الأيام، إذ أن فقر المجتمع اليمني بالنسبة لتلك الدول، يجعل اليمن لدعمها وتمويلها ذات الفاتورة المكلفة للشعب اليمني. لا أحد يستطيع إنكار ما يحدث في اليمن من فساد إداري في بعض المؤسسات الحكومية فيه، إضافة إلى تهاون يقابل هذا الفساد من البعض في صنعاء، وهذا ما يدعو لتشكيل لجنة أممية، أو من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مهامها الإشراف على تدفق هذه الأموال في الخزينة اليمنية، ووصولها للمشاريع التنموية المستهدفة. ومن الضروري إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن المشاركة في اتخاذ القرار كما هي النظم الجمهورية، إلا أن ما يحدث جنوب اليمن في هذه الفترة يدعو للتساؤل عن مغزى تفجر الأوضاع الأمنية بين ليلة وضحاها، ومن المستفيد من هذا الحراك الذي أعلن أحد أقطابه عن ولائه لعلمين غربيين رفعهما على منزله قبل عدة أسابيع، وهو الذي خاض حروبا طويلة ضد الهيمنة وفلسفة الاستعمار!. الحكماء في خليجنا وإقليمنا العربي، يودون ويسعون لجعل اليمن بلدا موحدا ذا سيادة على كافة أراضيه، وله اقتصاد مثل كافة بلدان العالم ذات الاقتصادات المتينة، وجعل شعب اليمن مثل بقية شعوب الأرض المتعلمة المتحضرة. استضافت الرياض، مطلع الأسبوع الجاري مؤتمراً تكميلياً للمؤتمر الذي عقده المانحون بخصوص اليمن في لندن شهر يناير الماضي، وهذان المؤتمران يعتبران تكميليين أيضاً لما عقد في لندن شهر نوفمبر من عام 2006، واعتمد خلاله تخصيص مبلغ 5.7 بليون دولار، لضخها في الخزينة اليمنية. وإضافة إلى ما تم في هذا المؤتمر، فإن ثمة مؤتمرا آخر عُقد متزامناً معه، وهو مجلس التنسيق السعودي- اليمني، وفي الرياض أيضاً، وهنا تؤكد السعودية على حرصها الشديد لاستتباب الأمن في اليمن الواحد ذي السيادة الكاملة وازدهاره عبر تنميته المجتمعية، وأعلنت السعودية عن سداد كامل حصتها من أموال المانحين، والبالغة بليون دولار، ولم يصل إلى اليمن من تلك الأموال باستثناء الحصة السعودية، سوى ما لا يتجاوز الـ7 في المائة من إجمالي المبلغ، وقد استنفدتها اليمن في ثلاثة صناديق معنية بالبنية التحتية لليمن. تحرص السعودية دائماً على دعم اليمن منذ عقود مضت، وآخر هذا الدعم على المستوى الشخصي هو مبلغ خصصه الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي لأيتام اليمن بلغ 20 مليون ريال، واعتقد أنه لن يكون الأخير. إضافة إلى ذلك تدفع السعودية بشكل سنوي منتظم جزءا كبيراً من الميزانية اليمنية منذ أعوام مضت، ولا أعتقد أن السعودية حكومة وشعباً سوف تقصر في يوم من الأيام تجاه اليمن شعباً وحكومة. الا ان هناك من بيننا – عربيا- من يريد أن يدعم مساعي تلك الدول لبعثرة "البزل"، ولا مصلحة له سوى أن يحسب ضمن قوائم الاتباع فقط، والتبعية هنا لها معايير وتصنيفات تتفاوت حسب الخدمات المقدمة للمتبوع، ومع الأسف أن هؤلاء الأتباع يُسخرون كافة الجهود بما فيها الأذرع الإعلامية لخدمة هذه الأجندات الطامعة... فهل يعي أولو الألباب لنستطيع رؤية "بزلنا" العربي كاملا دون بعثرة؟