منذ مقتل "المبحوح"في يناير الماضي في دبي، وأصابع الاتهام موجهة الى جهاز "الموساد" الإسرائيلي، رغم وجود بصمة فلسطينية قدمت الدعم لهؤلاء القتلة سواء من الضفة، أو القطاع، إلا أن المنفذين عناصر استخباراتية تابعة للكيان الصهيوني. لم تكن هذه العملية الأولى التي تنفذها الاستخبارات الإسرائيلية على أراض عربية فقد سبقها حوادث مماثلة على امتداد زمن الصراع العربي- الصهيوني، ولم تكن الحادثة الأولى التي تستهدف عربا مقاومين للاحتلال الصهيوني، إلا أن لهذه الحادثة أبعادٍا أكبر من مجرد استهداف لعنصر في فصيل فلسطيني مع حفظ الاعتبار للروح البشرية وكرامة الإنسان. على الصعيد الجنائي، أثبتت الأجهزة الأمنية في دولة الإمارات أنها على قدر عال من المسؤولية، وحققت إنجازاً كبيراً في كشف المتورطين في هذه العملية المعقدة، لكثرة العناصر المنفذة من جهة، وتعدد الدول التي استخدم هؤلاء العناصر وثائق سفرها، وقدموا منها من جهة أخرى. استخدمت الأجهزة الأمنية في دولة الإمارات المتحدة آخر ما توصلت إليه التقنية المتقدمة في هذا الشأن، إضافة إلى العناصر البشرية المدربة على أعلى المستويات التي تؤهلها لفك الألغاز الجنائية المعقدة بحجم هذه الحادثة عمل عليها الأمن الإماراتي وفككها جميعها بمهارة وسرعة فائقة. إلا أن الطلاسم التي ظهرت بعد تنفيذ هذه العملية الإجرامية، لا يمكن أن تُرى إلا من المنظور السياسي، وتُقرأ منه أيضاً، حيث ظهر اصرار إسرائيلي على رفض عملية السلام لعدم وجود مصلحة لتل أبيب منها. اختارت إسرائيل أن تكون ساحة جريمتها في هذه العملية أراضي دولة مسالمة، كما أن الإمارات رائدة في دعم القضية الفلسطينية، وكل القضايا العربية والإسلامية، فلماذا تقع هذه الجريمة، وبعناصر تحمل جوازات سفر أوروبية؟ لم يدر في خلد الإسرائيليين الذين خططوا لهذه العملية ووافقوا على تنفيذها، أن هناك أجهزة أمنية عربية قادرة على تفكيك ألغازهم القذرة، ببراعة وسرعة عالية. كان بالإمكان أن تُرى هذه العملية من قبل أجهزة الأمن الإماراتية على أنها حادثة اختناق تحدث للعشرات في العالم من سكان الفنادق، وفي ظروف مشابهة لتلك التي حدثت فيها عملية اغتيال المبحوح من حيث التوقيت، حيث تشهد فنادق الإمارات وإمارة دبي على وجه الخصوص نمواً في أعداد الزائرين لها في مثل هذا التوقيت من السنة، إلا أن احترافية رجل الأمن الإماراتي دفعته الى رفع نسبة حسه الأمني واستنفاره، الأمر الذي أدى الى اكتشاف من وراء هذه الجريمة، التي قررت الإرادة الأمنية الإماراتية فضحها والإعلان عنها بالصور المتحركة. إسرائيل نفذت عمليتها القذرة، منتهكة أمن دولة عربية فاعلة في إقليمها، ولها ثقلها العربي المشهود له، وتعلم إسرائيل جيدا أن جريمتها التي نفذتها هي جريمة سياسية في المقام الأول، وضد دولة عربية كاملة السيادة على أراضيها، وليست ضد حركة "حماس" وقياديها "المبحوح"، أو ضد السلطة الفلسطينية. تشكل هذه الجريمة بذرة لأمر أكبر من مجرد عملية اغتيال، تقوم إسرائيل وأعوانها بالتخطيط له في ظروف سياسية ساخنة في إقليمنا العربي، وفي ظل ضغوط دولية على الكيان الصهيوني في محاولة لعودة مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية. قال وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان "إن إسرائيل لا تستطيع البقاء بدون حرب"، وهذا يفسر ما ترمي إليه هذه العملية، إذ أن هذا الكيان الغاصب لا يستطيع أن يخوض مفاوضات ذات سقف زمني توصل إلى اتفاق سلام سواء مع السلطة الفلسطينية، أو مع الدول العربية الأخرى فعملية السلام بالنسبة له بمثابة الأنشوطة التي تقترب من عنقه وهو يحاول إبعادها بكافة السبل المتاحة له. لا تريد إسرائيل السلام خصوصا في ظل إدارة "ليكودية" ذات توافق مع أحزاب أكثر منها تطرفاً، وما يخدمها في تحقيق هذا المبتغى، هو التصريحات المتشنجة ضدها، لذلك ينبغي زن لا تمرر لها هذه الخدمات، وفي هذا التوقيت العصيب الذي تمر به دول المنطقة قاطبة.