في ثورة الستينيات الطلابية في فرنسا وقف الأساتذة مع الطلبة في مواجهة الحكومة. الأستاذ متحصناً بكتابه، والشرطي بدرعه الزجاجي، وانتصرت الحركة الطلابية. وفي نهاية السبعينيات قررت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك رفع رسوم الدراسة على الطلبة الوافدين من البلاد النفطية. ورفض الأساتذة هذا التمييز بين الطلبة، ومرة أخرى وقف الأساتذة مع الطلبة في مواجهة الحكومة حتى تراجعت الحكومة البريطانية عن قرارها. وفي مقابل هذه المواقف نجد دور الدكاترة العرب في أحداث الجامعة فضلا عن المجتمع قد يعادل الصفر، فالدكاترة العرب مشغولون باهتماماتهم الخاصة وبالصراع مع الإدارة الجامعية على المناصب الأكاديمية، أو الخصومات الشخصية، أو السعي وراء البرامج الإعلامية لكسب الشهرة الاجتماعية. أما علاقتهم بالطلبة فلا تكاد تتعدى قاعة المحاضرات الدراسية، دون أن يكون لهم أي دور في التفاعل مع قضاياهم الجامعية. الإدارة الجامعية بدورها لا يكاد يتعدى دورها إدارة الجامعة من ناحية أكثر من اهتمامها بمتابعة وتطوير التعليم ذاته من خلال متابعة المناهج المستخدمة ومدى تطورها ومواكبتها لمناهج البحث الجديدة على المستوى العالمي. فالتعليم الجامعي يتسم بالجمود واستخدام الكتاب المقرر. كما لا توجد مراجعة منهجية واضحة لوضع الدرجات، والاهتمام بمشاكل الطلبة في هذا الموضوع. فشكوى الطلبة في هذا الموضوع كثيرة، وديكتاتورية الأساتذة في وضع الدرجات العلمية لا رقابة عليها، فضلا عن الحرية المطلقة للأستاذ في وضع الأسئلة. والإدارة الجامعية ليست على استعداد لمحاسبة الأستاذ سواء في التأكد من معقولية الأسئلة ومصداقية توزيع الدرجات. والطلبة بدورهم لا توجد بينهم وبين الأساتذة علاقة تفاعلية، حيث لا يسعون إلى مشاركة الأساتذة في مشاكلهم، كما أنه من النادر أن يكون لديهم اتحاد طلابي قادر على مناقشة هذه المشاكل مع إدارة الجامعة، بل إن كل ما يسعون إليه هو الحصول على المزيد من المزايا للطلبة مثل خصومات تجارية وإقامة الحفلات الطلابية. وبذلك أصبح دور الطلبة غير فاعل في القضايا الجامعية. والطالب الجامعي غالباً ما يسعى بنفسه دون جهود طلابية مساندة حين يريد مناقشة درجته مع أستاذ المقرر، هذا إن لم يجابَه بالتعنت والاستكبار، مما يضطره في كثير من الأحيان إلى التوسل لتعديل الدرجة. وفي ظل هذه العلاقات الثلاث، الإدارة الجامعية غير الفعالة، والأستاذ المنشغل بذاته، والطالب المتوحد بدروسه، يصبح التعليم الجامعي مجرد مثلث غير فعال، ولا يتعدى دوره مجرد إلقاء المحاضرات ووضع الدرجات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ضعف المنهج الدراسي، فلا عجب إذن ألا تضم القائمة العالمية للجامعات أية جامعة عربية، في مقابل خمس جامعات إسرائيلية معترف بها على مستوى العالم. وأما على مستوى البحث العلمي التطبيقي فإن الوضع أسوأ. فالحكومات العربية لا تكاد تنفق شيئاً يذكر على البحوث العلمية، برغم تضخم ميزانية الجامعات العربية كل عام. وفي اعتقادي أن محور التعليم الجامعي هو الأستاذ الذي يتفاعل مع الأحداث الجامعية والاجتماعية. وهو الذي يسعى لتحديث المناهج الدراسية ويحرص على تزويد الطلبة بكل ما هو جديد في مجال تخصصه، حتى يكون الطالب على اطلاع دائم على ما استجد فيما يدرسه. ولا يقتصر هذا الأمر على الدراسات العلمية، بل وفي الدراسات النظرية التي تتطور في الغرب في العلوم الاجتماعية والأدبية. ولكن للأسف كثيراً ما يكون الأستاذ كسولا ويكتفي بما يوجد من كتب قديمة بحجة ألا جديد في هذا العلم. بل إنه يوجد أساتذة لا يزالون يدرسون المذكرات القديمة التي كتبوها أيام شبابهم، وخاصة من بلغ من العمر عتياً. هل من إصلاح يرجى؟