عاد الرئيس جورج بوش من جولته الأخيرة في أميركا اللاتينية، بعزم جديد على فتح حدود بلاده المشتركة مع المكسيك. آسف، المقصود هو إجراء إصلاح شامل على قوانين الهجرة الحالية. وكان أقوى مؤشر على هذا، ما ورد في حديثه مع الرئيس المكسيكي فليب كالديرون، في ميريدا، يوم الثلاثاء الماضي، إذ قال محدثاً إياه: "ربما كانت المسألة الرئيسية والوحيدة التي تهم بلادك، هي الهجرة". والحقيقة أن كل هذا العراك الدائر بين "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" الأميركيين حول سياسات الهجرة وقوانينها، إنما يفسره من ناحية، تعطش أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات "الجمهوريين" للعمالة الرخيصة، بينما يفسره من جانب "الديمقراطيين"، سعيهم لتوسيع قواعدهم الانتخابية في صفوف المهاجرين القادمين من خلفيات ثقافية متباينة، مع العلم بأنهم يعدون بالملايين. وبين هذا وذاك، تقع هواجس أميركا وقلقها المتزايدان من بلوغ كثافتها السكانية، نحو 500 مليون نسمة، لا يتحدث ثلثها اللغة الإنجليزية ولا يفقه شيئاً في أبجدياتها تقريباً. وعلينا أن ننتبه من الناحية اللغوية في التمييز بين المهاجرين، إلى أن من بينهم من يهاجر قاطعاً المسافات والقارات البعيدة، من أجل بلوغ أرض "الحلم الأميركي"، وهناك من بينهم، من لا يكلفه الوصول سوى مشقة اجتياز الحدود المشتركة بين بلاده وذلك الحلم. هذا على المستوى اللغوي. أما على المستوى الثقافي، فشتان ما بين مهاجر غريب قادم إلى أميركا من أقاصي الدنيا والقارات البعيدة، ولا يهمه أن يتكيف مع ثقافة الوطن الجديد الذي جاءه مهاجراً بمحض إرادته واختياره، وبين جارٍ قطع المسافة القريبة، وله مع الثقافة الأميركية، من حبال الود ما يشده إليها عبر الحقب والقرون. ولعل هذا هو ما دفع بوش إلى أن يقول محدثاً نظيره المكسيكي، في لقاء الثلاثاء نفسه المشار إليه آنفاً بالقول: "إن التعهد الذي يسعني الآن تقديمه لك، هو أن شعب المكسيك سيعامل باحترام وستحفظ كرامته في بلادي". ومضى بوش مؤكداً التزامه هذا بقوله: "وإن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك هي إجازة قانون جديد للهجرة". وإنها للحظة بالغة الأهمية في التاريخ الأميركي، أن يتعهد الرئيس بإجراء تعديلات دستورية في قوانين الهجرة، تصب في صالح المهاجرين، وأن يقطع ذلك التعهد على نفسه، وهو على تراب دولة خارجية. ذلك هو ما قالته "كيلي أودونيل"، المراسلة من البيت الأبيض، أثناء حديثها لمشاهدي شبكة "إن بي سي" الإخبارية، يوم الثلاثاء الماضي: فها نحن نرى شيئاً قلما تكررت مشاهدته. ففي هذه المرة، قطع الرئيس بوش على نفسه عهداً مباشراً أمام شعب أجنبي، هو شعب المكسيك، بأن يبذل كل ما في وسعه في سبيل إجازة قانون جديد للهجرة، أطلق عليه تسمية "إصلاح شامل للهجرة إلى أميركا". ومضت "كيلي أودنيل" خطوة إضافية في شرحها لما عناه بوش بهذا الإصلاح: يتضمن ذلك التعهد، تبني برنامج للعمل المؤقت، وإيجاد وسيلة ما لتقنين إقامة المهاجرين غير الشرعيين، الموجودين حالياً في الولايات المتحدة. وعليه فإن السبيل إلى الحصول على الجنسية الأميركية، هو انضمام المهاجرين غير الشرعيين، إلى برامج العمل المؤقت، التي يطلق عليها كذلك اسم "العمالة الزائرة"، بحيث يستمر العمل فيها لعدد من السنين، يعقبه صدور عفو عام عن هذه الحالات، لتقنن بشكل نهائي إقامة هؤلاء. على أن التعهد الرئاسي الأخير، يتضمن كذلك مزيداً من الخطوات المنصفة للملايين من المهاجرين غير الشرعيين، الذين أسهموا إسهاماً مقدراً في بناء اقتصاد أميركا وإثراء الحياة الثقافية فيها. ولكن المشكلة وراء هذا التساهل، أن الرئيس بوش، قد أصبح الآن في صف دعاة العمالة المهاجرة الرخيصة من أصحاب الاستثمارات، وأن الفقر هو مصير غالبية المهاجرين غير الشرعيين. جيمس بينكرتون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"