هل تتخلى إيران عن "النووي" دون مفاوضات؟!
مع ازدياد المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق وتعقد الأوضاع هناك، نلاحظ أن إدارة جورج بوش تضاعف شكاواها من أن إيران لن تعترف بإسرائيل، وأنها تدعو إلى وجوب إزالتها من الخريطة (كما جاء على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد). وليس هذا فحسب، بل إن إيران -وفقاً للشكاوى الأميركية- ترفض التخلي عن برنامجها النووي، وتواصل مساندتها لـ"حزب الله" في لبنان، وتتدخل بشكل مستتر في العراق، وتتعاون مع "القاعدة".
وفي حين تقول إيران إن الهدف من برنامجها النووي هو توليد الكهرباء، فإن الولايات المتحدة تقول إنه قادر أيضاً على إنتاج الأسلحة النووية، كما تعلن أنها تمكنت من ضبط أسلحة في العراق تحمل أرقاماً مسلسلة وعلامات تدل على أنها صُنعت في إيران.
وبالنظر إلى الطريقة التي قاد بها بوش بلاده إلى حرب العراق، فمن المفترض ألا يندهش من أن تقابَل بياناته وتصريحاته حول إيران بكثير من الشك؛ ذلك أن الناس في أميركا، عندما يدلي بوش بمثل تلك التصريحات، يتذكرون غزو الرئيس رونالد ريغان لغرينادا عام 1983، ويتذكرون أيضاً كيف أن بعضهم انتبه حينئذ إلى أن غرض ريغان من ذلك الغزو كان صرف النظر عن تفجير ثكنات المارينز في لبنان قبل اجتياح غرينادا بيومين فقط.
لذلك فمن الطبيعي أن يتساءل البعض في الوقت الراهن: هل يخطط بوش لشن حرب ضد إيران لصرف النظر عن حرب العراق؟ وكلما زادت درجة إنكار بوش وطاقمه، كلما تعزز الاعتقاد بأن إيران هي هدفه الحقيقي.
وليس هناك ما هو أفضل من ذلك المثال لإدراك قيمة المصداقية في الشؤون الدولية: فبعد أن فقدت الإدارة الأميركية مصداقيتها بسبب تأكيداتها الزائفة حول وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق، أصبحت الآن بحاجة إلى وقت طويل من أجل استعادة تلك المصداقية.
وليس مما يساعد على استعادة تلك المصداقية أن تتهم الإدارة إيران بالتعاون مع "القاعدة"، في وقت تعلن فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن إيران ألقت القبض على بعض أعضاء "القاعدة" وهم في طريقهم من باكستان إلى العراق.
وفي الأسبوع الماضي، وتزامناً مع الموعد النهائي المحدد لتفكيك الإيرانيين لبرنامجهم النووي، عرض الرئيس أحمدي نجاد أن تتخلى بلاده عن برنامجها النووي إذا ما وافقت الولايات المتحدة ودول أوروبا على القيام بالشيء نفسه. ورغم أن أحمدي نجاد لا يتوقع رداً إيجابياً على هذا العرض، إلا أن الأسلوب الذي صاغ به سؤاله يعزز الاعتقاد السائد بأن القوة النووية قد غدت مسألة كرامة قومية في المقام الأول بالنسبة لإيران. فتلك القوة هي فقط ما يمكن أن يضع إيران -وهي دولة معتزة بذاتها وإن كانت لا تزال تعتبر من دول العالم الثالث- في نفس المستوى مع الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبا الغربية، وهو ما يعني من جهة أخرى أنه لن يكون من السهولة بمكان صرفها عن هذا الهدف.
فالقوة النووية -وربما أكثر من النفط- تمنح إيران ميزات تفاوضية مع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة، وهو الشيء ذاته الذي لا يرغب فيه بوش. فالرئيس الأميركي يؤمن بالرأي القائل إن جميع الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة في أي مجال من المجالات يجب أن تقدم تنازلات لها حتى تتفضل الولايات المتحدة وتتنازل من جانبها بالحديث مع مثل تلك الدول.
وعلى رغم أن ذلك يعد استعراضاً فظاً لغطرسة القوة فإن تلك الغطرسة على وجه التحديد هي حجر الأساس في سياسة بوش الخارجية. ففي العديد من الحالات يكون الخطاب الأميركي الموجه للدول الأخرى التي تتعامل مع أميركا في مجال السياسة الخارجية، هو كالآتي: "إما أن تفعلوا هذا الشيء حسب ما نريد وإلا...). وإن كان الهدف من المفاوضات مع إيران هو إقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، فلن يكون هناك معنى لجعلها تفعل ذلك قبل البدء بالتفاوض معها.
لكن إدارة بوش، وبتأثير غطرسة القوة، تؤمن بأن هناك فرقاً بين أن يتحقق ما تريده من خلال المفاوضات، وبين أن يتحقق من خلال التهديد والترهيب.
إن قبول دولة بالدخول في مفاوضات مع دولة أخرى لا يعني أبداً أنها ستقوم بالموافقة على كل طلبات الدولة الأخرى في تلك المفاوضات. وبالمقابل، فإن رفض المفاوضات لا يعني أنك ستحصل على كل ما تريد.
بناء على ذلك فالتساؤل المنطقي الذي يجب أن يطرح في مثل هذا السياق هو: ما الذي يجعل الآخرين يحاولون الوصول إلى حل وسط أو تسوية معك طالما أنك ترفض في الأساس مجرد التحدث إليهم.
ومن هنا فالموقف الذي أعلنته إدارة بوش هذا الأسبوع، بشأن موافقتها على عقد لقاءات إقليمية هذا الربيع، تضم إيران، بشرط أن يكون الغرض من تلك اللقاءات هو مناقشة المسألة العراقية فقط... يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنها مع ذلك تبقى خطوة غير كافية.
بات أم. هولت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرئيس السابق هيئة موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"