إنها حرب الرئيس بوش. لذلك وإذا ما قدر للولايات المتحدة أن تفوز بهذه الحرب في العراق، فإن كل الفضل السياسي فيها عائد إلى بوش وحده ولا أحد سواه. ومن هنا ينشأ السؤال الكبير: هل يكون بوش رئيساً من طراز "أبراهام لنكولن"، فيصمد وحده ليرى حرباً ضروساً عسيرة وهي تشق طريقها إلى النصر، أم يكون قائداً من طراز الجنرال جورج آرمسترونج كلستر، الذي كان آخر من يعلم دائماً؟ وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الصادرة عقب إلقاء بوش لخطابه الأخير عن "حالة الاتحاد"، هي التي حملت أفضل عنوان صحفي علق على ذلك الحدث، بقولها "بوش يسعى للمصالحة في كل شيء.. إلا استراتيجيته بشأن العراق". وهذا يعني أن بوش يبدي عزماً واستعداداً للتعامل مع "الديمقراطيين" في كافة القضايا الثانوية، بما فيها القضايا الداخلية، مثل الرعاية الصحية وسياسات الهجرة وغيرها، إلا ما يتصل بالشؤون والسياسات الخارجية. فهذه مما لا يقبل المساومة عنده. وبذلك تبقى حربه على العراق، غير قابلة للتفاوض حولها، خلال العامين المقبلين المتبقيين من فترة ولايته. على أن بوش لا ينوي الاستمرار في رعاية حرب خاسرة محسومة، وإنما يعتزم استنهاض كافة قدراته وإرادته القيادية، بصفته رئيساً وقائداً أعلى للقوات المسلحة في بلاده، من أجل وضع حد فاصل بينه وبين الرئيس الأسبق جيرالد فورد، حين كان قد لزم كرسيه مكتوف اليدين بالبيت الأبيض في عام 1975، بينما كانت الطائرات العمودية تهم بإنقاذ مواطنيه الأميركيين المتشبثين بأرواحهم وحياتهم، من أعلى سقف إحدى سفارات بلاده في الخارج. ومن جانبهم، فقد تلقى خصومه "الديمقراطيون" الرسالة، ودبجوا رسالتهم المناهضة لها في المقابل، والتي يمكن تلخيصها كما يلي "اهنأ بخيبتك". وفيما يبدو، فإن هذا التقابل والتضاد بين محتوى الرسالتين –الرئاسية و"الديمقراطية"- هو الذي سيطبع السياسات الأميركية طوال مدة العامين المتبقيين من رئاسة بوش. فبقدر ما يستطيع بوش زيادة عدد قواته في العراق، بقدر ما يزداد مرجل "الديمقراطيين" غلياناً وغضباً هنا في الداخل. لكن وعلى رغم وضوح معارضة "الديمقراطيين" الصريحة لاستراتيجية بوش الجديدة المعلنة بشأن العراق، فإن من كبار القادة "الديمقراطيين" ومنهم "نانسي بيلوسي"، عمدوا لاتخاذ قرار تكتيكي بعدم السعي لتجفيف الموارد المالية المخصصة للحرب على العراق. فجميعهم يذكر فيتنام، ويدرك أن نصيب حزبهم من اللوم وتحمل مسؤولية خسارة تلك الحرب، كان أكبر مما تحمله أي أحد غيرهم في عام 1975. وستكون كارثة سياسية للحزب "الديمقراطي"، فيما لو أقدم الكونجرس الذي يسيطرون عليه الآن على اتخاذ قرار بتجفيف الموارد المالية للحرب. ولما كان هاجس معاداة حرب فيتنام لا يزال يسيطر على "الديمقراطيين" حتى الآن، فقد فضلوا اختيار السيناتور "جيم ويب"، من ولاية فرجينيا، ليتولى نيابة عنهم، الإفصاح عن مواقفهم. يذكر أن "جيم ويب"، يعد بين صفوف قدامى المحاربين في فيتنام، وكذلك أدى والده وشقيقه الخدمة العسكرية وواجب الدفاع عن وطنهم. وليس ذلك فحسب، بل لقد ذكَّر "ويب"، جمهور مشاهديه في اللقاء التلفزيوني الذي أجري معه مؤخراً، بأن له ابناً بين الجنود الأميركيين المرابطين حالياً في العراق. وكان أكثر ما فعله "ويب"، لفتاً للأنظار في اللقاء المذكور، أنه استدعى شبح الرئيس الأسبق، "أندرو جاكسون"، الذي جسد الجانب "الصقري" المنسي من السيرة السياسية والحربية لـ"الديمقراطيين". ولذلك فها نحن نعيد إثارة السؤال الملح مجدداً: ما الذي سيحدث إذن في العراق؟ نقول هذا، وقد بدا الرئيس بوش في خطابه الأخير عن "حالة الاتحاد" مغايراً إلى حد بعيد، لذلك النسر الجارح الذي أطلق عبارة "محور الشر" الشهيرة، في خطاب مماثل له، ألقاه قبل خمس سنوات. كما بدا بوش مغايراً لذلك القائد الأميركي، الذي حقق لنفسه رصيداً سياسياً وعسكرياً كبيراً نتيجة إطاحته بنظام صدام حسين. واليوم فقد تضاءل بوش إلى قائد يتحدث عن "سيناريو الكابوس" في العراق ومنطقة الشرق الأوسط. ولاشك أن لبوش وجهة نظر في كل ما يقول. فالذي يعنيه بكل هذه التصريحات، تأكيده لكونه "رئيساً محارباً" حتى لحظة مغادرته للبيت الأبيض بعد عامين من الآن، ولا شيء غير ذلك. ولكن ماذا بعد؟ إن علينا أن نذكر هنا سيرة قائد من طراز لويس الخامس عشر الفرنسي، الذي كان قد خاض حروباً طويلة كثيرة خارج حدود بلاده، لم يكن النصر فيها جميعاً من نصيبه بالضرورة. جيمس بنكرتون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"