من الذي خسر العراق؟ هذا هو السؤال الذي لا يغامر أحد بالإجابة عنه. وإذا ما استمر هذا المنحى، فعلى الأرجح أن يظل سؤالاً عالقاً لعدد من السنين المقبلة. ولست أدري ما إذا كانت للرئيس بوش حقاً استراتيجية للنصر هناك أم لا، غير أن إعلانه عزمه على زيادة عدد قواته يوم الأربعاء الماضي، يكشف عن عدم رغبته في رؤية بلاده وهي تهزم عسكرياً فيما تبقى له من عامين من ولايته الحالية. ومهما يكن فإن المؤكد أنه ما من سبيل لإلحاق الهزيمة بقواتنا على الأرض. وما المعارك التي شهدها شارع حيفا مؤخراً في العاصمة بغداد، حيث قاتل جنودنا بتغطية كبيرة من قبل المقاتلات العمودية والنفاثة، سوى تذكير آخر بقدرة جنودنا على فرض سيطرتهم على أي ساحة للمواجهة الحربية مع العدو. وعلى حد قول المراسلين الصحفيين هناك، فقد تمكن جنودنا من إيقاع خسائر كبيرة في الأرواح بين المتمردين، دون أن تزهق روح جندي أميركي واحد، في جميع المعارك التي دارت مؤخراً. وعليه يمكن القول، من الناحية العسكرية البحتة، إن الوضع العراقي، يمكن وصفه بأنه أقل من أن يشكل خطراً على جنودنا. لكن وكما قال "كلاوزفيتش"، المفكر الحربي البروسي، منذ ما يقارب القرنين من الزمان، فإن "الحرب ليست شيئاً آخر سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى". أو دعونا نعبر عن هذا المفهوم بقولنا إن الحرب هي مستوى أدنى من مستويات السياسة. ومن هنا يجدر النظر إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، قد تورطت في استمرار حربها في وسط العاصمة بغداد لما يقارب الأربع سنوات، من احتلالها لها في عام 2003. أو دعونا نكون أكثر مباشرة في القول إن الحرب تسير على ما يرام في جانبها العسكري، غير أنها ليست كذلك في شقها السياسي. يذكر أن صحيفة "واشنطن بوست" كانت قد ذكرت في تقرير لها يوم الأربعاء الماضي، أن الرئيس بوش استدعى الأعضاء الديمقراطيين في الكونجرس إلى مكتبه في البيت الأبيض، يوم الثلاثاء الماضي، وأخبرهم أن مصداقية أميركا ستذروها الرياح، فيما لو انسحبت من العراق دون استكمال مهمتها، وأن ذلك من شأنه أن يدفع الدول الإقليمية الحليفة، للبحث عن حليف آخر تعوِّل عليه أمنياً، إلى جانب أن انسحاباً كهذا، سينتهي إلى زعزعة استقرار الكثير من الدول المجاورة. وكم كان العبء شاقاً وثقيلاً على أكتاف أعضاء الكونجرس "الديمقراطيين"! والمعروف أنه وباستثناء عدد قليل من الصقور "الديمقراطيين" –من أمثال إدوارد كنيدي، السيناتور عن ولاية ماساشوستس- فإن غالبيتهم تميل إلى الانسحاب ووقف الحرب، أملاً في تجفيف هدر المزيد من الإنفاق عليها. غير أنهم وعلى رغم ذلك يحرصون على ألا تلقى عليهم لائمة خسارة الحرب. أما على أرض الواقع وميادين القتال، فإن زيادة عدد قواتنا، لن تضمن إحراز نصر حاسم ومؤزر مباشر لأبناء "العم سام" في العراق. وبما أن هذه هي الحقيقة التي تقررها مقولة المنظّر الحربي "كلاوزفيتش" آنفة الذكر، فهل لنا أن نتطلع إلى تسوية سياسية للمأزق الحالي، ربما بمساعدة بعض الدول الإقليمية المجاورة؟ أم أن الولايات المتحدة أو إسرائيل، قد تبادران بدلاً من ذلك، إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران؟ لكن وحتى في حال اتساع دائرة الحرب إلى حدود إيران، وهي دولة يساوي حجمها ثلاثة أمثال مساحة العراق، فإن ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية من حربنا على العراق، لن يكون سوى فصل تمهيدي فحسب، من فصول كتاب حربنا الجديدة على إيران. وعندها لن يكون خطاب بوش الأخير، سوى ملاحظة هامشية من هوامش ذلك الكتاب! جيمس بنكرتون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"