تجاوزات بوش في الحرب على الإرهاب
شدد جورج بوش خلال حملته الرئاسية عام 2000 على ضرورة ضبط النفس عسكرياً قائلا: "سأكون جد حذر بخصوص موضوع تسخير قواتنا كبناة للدول. إنني أعتقد أن دور الجيش هو المحاربة والانتصار في الحرب، وبالتالي منع وقوع الحرب". إلا أن هذا الرأي قد تغير بشكل كبير في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي استهدفت نيويورك وواشنطن، حيث كشف بوش النقاب عن سياسته الجديدة التي تقوم على نشر الديمقراطية في العالم –حتى وإنْ كان ذلك يقتضي أن تتصرف القوات الأميركية كـ"بناة للدول". غير أن المنطقة التي اختارها بوش ليدشن فيها حملته تلك كانت واحدة من أقل المناطق تقبلاً لها في العالم بحكم عاملي الثقافة والتاريخ. هذه ليست سوى واحدة من المفارقات العديدة التي تميز فترة بوش الرئاسية؛ إذ تتمثل مفارقة أخرى في أن بوش يقوم بأمور، تحت شعار نشر الديمقراطية في الخارج، تميل إلى تدمير الديمقراطية في الداخل. حيث كان ما يسمى بـ"قانون الوطني" واحداً من بين التشريعات التي سنها الكونغرس الذي كان مفزوعاً ومنصاعاً بعد أحداث 11 سبتمبر.
وقد أعلن المدافعون عن هذا القانون حينها أنه سيكون أساس الحرب على الإرهاب. والحال أنه يمثل انتكاسة للعديد من الحقوق التي يضمنها الدستور الأميركي، والمنصوص عليها في القانون الجنائي في الولايات المتحدة.
ثم هناك تناقض ثالث، إذ مارس الرئيس باسم الأمن القومي السلطة التنفيذية بشكل أكبر من أي رئيس أميركي آخر خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ذهب بوش إلى حد القول إنه يحق له أن يتجاهل مقتضيات وأحكام القانون التي اعتمدها الكونغرس عبر اللجوء إلى "الملاحظات الرئاسية الموقعة" (وهي ملاحظات مكتوبة تبديها الحكومة حين توقيع أحد القوانين التي أقرها البرلمان).
كما أنه لم يعر كبير احترام للمعايير الدولية للعدالة والدستور –الذي يدعي صيانته- عبر تأييد أنشطة منافية لقيم الأميركيين مثل الاحتفاظ بالمشتبه فيهم قيد الاعتقال إلى ما لا نهاية من دون توجيه تهم إليهم، والتجسس على مراسلات الأميركيين والتنصت على مكالماتهم الهاتفية في الداخل من دون إذن قضائي.
لم تكن، وليست ثمة، حجة قوية للإقناع بأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت تستدعي رداً انتقامياً، اللهم إلا ضد أولئك المسؤولين مباشرة عن تلك الهجمات. والمذنبون المسؤولون عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فهم معروفون: أسامة بن لادن وأتباعه في تنظيم "القاعدة". ولما كانوا قد مُنحوا المأوى في أفغانستان، فيمكن القول إن هجوماً أميركياً على أفغانستان كان أمراً صائباً. غير أنه لم يكن ثمة بالمقابل سبب وجيه يستدعي مهاجمة بلد آخر، وذلك مهما كانت درجة عدائية حكومته تجاه الولايات المتحدة.
الواقع أننا عرفنا من مذكرات "بول أونيل"، الذي كان أول من شغل منصب وزير الخزانة في فترة بوش الرئاسية، أن هذا الأخير كانت تحدوه رغبة قديمة في مهاجمة العراق. فكان أن نفذ بوش هجومه بعد أن حصل على معلومات استخباراتية مزيفة أمدته بها وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إي" بشأن أسلحة دمار شامل تبين لاحقاً أنه لا وجود لها. وبفعلته تلك، أظهر بوش عدم احترامه للأمم المتحدة، كما تسبب في تنفير أهم حلفائنا ما عدا بريطانيا. ثم إنه قام بذلك بدون تسخير ما يكفي من القوات، وهو ما أدى إلى إنهاك قواتنا وجعلها غير مستعدة للقيام بمهام أخرى.
بوش لم يدعُ الأميركيين إلى القيام بتضحيات. بل على العكس من ذلك تماماً، عمل على التحرش بالكونغرس وحمله على خفض الضرائب، وهو ما يصب في مصلحة الأغنياء.
اليوم وفي ظل محدودية الموارد، يواجه بوش رفض السلطات الإيرانية العنيد وضع حد لبرنامجها النووي. وحتى الآن، يحظى الرئيس بدعم حلفاء الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. أما إيران، فتنظر إلى الأسلحة النووية على أنها تمنح ممتلكيها مكانة مرموقة دولياً وشعوراً بالعظمة، على غرار أهرام مصر القديمة. غير أن الإيرانيين يُظهرون في الوقت نفسه مؤشرات تفيد بأنهم يبحثون عن طريقة للعدول عما بدأوه شريطة أن تكون حافظة لكرامتهم. والواقع أن العديدين يرغبون في حدوث تقارب مع الولايات المتحدة على ألا يكون على حساب الكبرياء القومي.
من جهة أخرى، لا يتوفر بوش على فهم واستيعاب للفروق الطفيفة التي تنطوي عليها الدبلوماسية. وظهر قصوره الذهني هذا عندما قال إن "حزب الله" قد "مني بالهزيمة" في حربه مع إسرائيل. حدث هذا بعد أن استطاع "حزب الله" محاربة الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو وانتهت الحرب إلى وضع لم يفرز منتصراً.
بات. إم هولت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس "الشيوخ" الأميركي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"