أميركا: معضلة الهجرة وحتمية التغيير
يكافح الكونجرس جاهداً من أجل إصلاح ما خربته سياسات الإدارات ومجالس الكونجرس السابقة في مجال الهجرة.
وقد وصلت مشكلة الهجرة إلى ذروتها ببلوغ عدد المهاجرين غير القانونيين 11 مليوناً من البشر يتزايدون بشكل شبه يومي. القوانين الحالية تنص على ضرورة ترحيل هؤلاء المهاجرين للبلاد التي جاءوا منها وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً بالطبع، إذ كيف يمكن لسلطات الهجرة والمواطنة الأميركية أن تقبض على هذا العدد من الناس وتقوم بنقلهم عبر الحدود؟ وتمنع مهاجرين غير قانونين جدد من الدخول إليها؟
إن الحقيقة الصعبة هي أن أميركا قد فقدت السيطرة على حدودها، وهو أمر يدعو للخوف، لأن الدولة التي لا تستطيع السيطرة على حدودها بشكل كامل هي دولة لا تعتبر كاملة السيادة.
وهذا هو السبب في أن الكثير من الناس يريدون من الدولة أن تتخذ سياسات متشددة تجاه الهجرة. وقد قام مجلس النواب الأميركي بتمرير مشروع قانون يسير في هذا الاتجاه، وهو قانون لا يكتفي فقط باعتبار الهجرة غير الشرعية جريمة، بل يقوم أيضاً بتجريم كل من يقوم بمساعدة أو إيواء مهاجر غير شرعي.
إن مجلس النواب سيقوم بحل المشكلة من خلال ترحيل أو حبس كل من تسبب فيها وهو حل سيكون مكلفاً.. هذا إذا ما كان ممكناً القيام به من الأساس. أما المقاربة المقترحة للمشكلة في مجلس الشيوخ فتعمل على حل المشكلة من خلال منح المواطنة لهؤلاء الذين تسببوا فيها، وإن كان مجلس الشيوخ قد التزم الصمت بشأن القوانين التي سيتم اتباعها لضمان عدم تكرار المشكلة في المستقبل.
لقد أدت هاتان المقاربتان إلى إثارة ردود فعل لم يسبق لها مثيل في أميركا. فهناك مئات الآلاف من المهاجرين تظاهروا ضد مجلس النواب وتأييداً لمشروع قانون مجلس الشيوخ. وقد أدى هذا إلى رد فعل مضاد بين الأميركيين الذين شعروا بالاستياء والإهانة وهم يشاهدون مهاجرين غير شرعيين يتظاهرون في شوارعهم، ويهتفون بهتافات أسبانية ويلوحون بإعلام دولهم الأصلية.
والجدل الدائر حالياً حول موضوع الهجرة يهدد بحدوث حالة من الانقسام أو الاستقطاب الحاد داخل البلاد. وبين الضجيج وصيحات الغضب هناك بعض النقاط التي يجب وضعها في الحسبان والتي يميل البعض إلى غض الطرف عنها.
النقطة الأولى هي الأموال الهائلة التي يرسلها المهاجرون سواء الشرعيون أو غير الشرعيين إلى مواطنهم والتي وصلت في حالة دولة مثل المكسيك إلى 16 مليار دولار سنوياً تمثل ثاني أكبر بند في ميزان المدفوعات المكسيكي ولا يسبقها غير النفط. وهذه الأموال تساعد على تحسن الاقتصاد، وتقلل من الضغط الواقع على المكسيكيين والذي يدفعهم إلى الهجرة غير الشرعية إلى أميركا.
النقطة الثانية أن هذه العمالة توفر قوة عمل رخيصة ومطلوبة للاقتصاد الأميركي، وقطع هذا المصدر أو إيقافه فجأة، يمكن أن يجعل هذا الاقتصاد ينهار.
هناك نقطة ثالثة وهي الزعم بأن المهاجرين يستولون على وظائف الأميركيين. ليس هناك اتفاق عام في الواقع على ذلك بل إن الحقيقة هي أن معظم الوظائف التي يعمل فيها المهاجرون هي من الوظائف التي لا يقبل عليها الأميركيون.
إن معظم المعارضة لموضوع الهجرة تأتي من جانب هؤلاء الذين لا يريدون أن يفهموا أن أميركا تمر بمرحلة تغيير حاسمة الآن. فأميركا الآن تتحول إلى دولة أقل أوروبية، وأكثر آسيوية، وأفريقية، وأميركية لاتينية، مما يعني أن المهاجرين الجدد سيكونون بالتالي أكثر بطئا في الاستيعاب داخل المجتمع الأميركي، كما أنهم سيشكلون عبئا أكبر على المنظومة التعليمية ومنظومة الخدمات العامة. ومن الغريب والمثير للدهشة أن تأتي مثل تلك المعارضة من أحفاد المهاجرين الذين عانوا صعوبات مثل تلك التي يعانيها المهاجرون المؤقتون وربما أكثر.
بات إم. هولت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"