عندما أطلقت منظمة الصحة العالمية قبل أيام صيحتها التحذيرية الجديدة من تفاقم خطر إنفلونزا الطيور، كانت صياغة التحذير مختلفة وحجم القلق الذي تجسده أكبر بكثير من كل التحذيرات السابقة· فالفيروس العنيد القاتل المحير وصل إلى أفريقيا، إلى القارة المثقلة بهموم صحية غير مسبوقة في التاريخ الحديث ولا القديم، ووصول المرض إلى القارة المتهمة بكل أمراض الأرض الجديدة والمتجددة يعني البداية الحقيقية للكارثة التي توقعتها وتنبأت بها وحددت معالمها المنظمة الدولية·
فالأمر في القارة السمراء مختلف وكل المؤشرات الأولية المواكبة للظهور الأول لانفلونزا الطيور في أفريقيا تؤكد ذلك·
معطيات الجغرافيا تقول إن أفريقيا هي الأغنى بثرواتها المعدنية الطبيعية، وحقائق الواقع تقول إنها الأفقر في كل شيء، وإن معظم دولها لا تملك الحد الأدنى من مقومات تقديم أي شكل من أشكال الرعاية الصحية· الواقع يقول إن بعوض الملاريا لا يزال يفتك بمليوني أفريقي كل عام، وإن معدلات انتشار مرض الإيدز هي الأعلى في العالم على الإطلاق ، وإن مساحات شاسعة من القارة السمراء لا تعرف عن المرض سوى أنه تلبس شيطاني ولا تعرف عن العلاج سوى السحر والطقوس الغريبة· وصول فيروس الإنفلونزا القاتل إلى أفريقيا إذن يعني كارثة حقيقية، فالمرض شديد الفتك سريع الانتشار يصيب الثروة الداجنة ويصيب الإنسان، والتعامل معه سواء عن طريق توفير وتطبيق خطط وقاية فعالة أو عن طريق توفير أدوية تكفي لعلاج المرضى أو عن طريق إقناع أصحاب الدواجن التي تعيش معهم في عششهم وتمثل مورد رزق للكثيرين منهم وكل ثروتهم في الحياة، بالإبلاغ عن إصابتها بالمرض أو بالاستسلام لقرارات الحرق الجماعي للطيور في المناطق الموبوءة، كل هذه الإجراءات تفوق قدرات وإمكانات القارة السمراء، وليس غريبا أن تكشف التقارير الإخبارية القادمة من أول دولة أفريقية يظهر فيها الفيروس القاتل وهي نيجيريا أن لا أحد يعرف شيئا عن المرض وعن مخاطره·
والسؤال الذي يفرض نفسه على المجتمع الدولي الآن: هل ستترك أفريقيا لمواجهة المجهول مع مرض إنفلونزا الطيور تماما كما تركت تواجه مصيرها المؤلم مع الإيدز وايبولا وحمى اللاسا والملاريا وحتى الإسهال وأمراض الجفاف؟·
المشكلة أن الخطر في هذه الحالة لن يبقى محصورا في القارة السمراء وأن انتشار المرض في موجات وبائية سيمتد حتما إلى قارات الأرض الأخرى وليس أمام المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية والصحية سوى النجاح في الاختبار الأفريقي، لأن الفشل يعني كارثة تفوق كل توقع وتتجاوز كل حساب·