ربما لا توجد منطقة يواجه فيها صناع السياسة الخارجية الأميركية تناقضات مثل المنطقة الممتدة من إسرائيل إلى كوريا· والسبب في ذلك أنه لا توجد دولة في هذا المدى الجغرافي لا تريد الولايات المتحدة كسبها إلى صفها سواء في الأمم المتحدة، أو في النزاعات الإقليمية، أو في الحرب على الإرهاب· بيد أن المشكلة هنا هي أن أميركا عندما تحاول إرضاء دولة فإنها تقوم بإغضاب دولة- بل وربما أكثر من دولة في بعض الأحيان·
وهذه المعضلة ظهرت بشكل لافت في القرار الذي اتخذته إدارة بوش الشهر الماضي أثناء زيارة رئيس الوزراء الهندي مانموهن سنغ إلى واشنطن، وذلك عندما أعلن الرئيس جورج بوش أن أميركا ستقوم بتقاسم التكنولوجيا النووية مع الهند· وهذا التحول في الموقف يضعف سياسة الولايات المتحدة الخاصة بمنع الانتشار النووي، كما أنه يضعها في صف واحد مع الهند في نزاعها مع جارتها باكستان· وفي نهاية المطاف، فإن ذلك يمكن أن يؤثر على المصالح الأميركية، سواء في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب بمساعدة باكستان، وفي أزمتها النووية مع كوريا الشمالية·
ويذكر أن جهود الولايات المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية قد بدأت في أواخر عقد الأربعينيات من القرن الماضي، ولكن الشيء الذي ربما كان غائبا عن ذهن أميركا طوال تلك المدة، هو أن طبيعة المعرفة العلمية في حد ذاتها تحول دون قدرة أي دولة على إبقائها سرا أو مراقبتها· فإذا ما استطاع مواطنو دولة ما تعلم الفيزياء، فإن ذلك ينطبق أيضا على مواطني أي دولة أخرى، كما أننا إذا ما أخذنا في الحسبان أن الأسلحة النووية قد انتشرت منذ ذلك الوقت لدى مزيد من الدول، فإن ذلك يعني أن سياسة الولايات المتحدة في هذا الشأن قد فشلت في تحقيق المطلوب منها·
وبالنسبة للعديد من دول العالم الثالث، فإن الحصول على لقب ''دولة نووية'' يعني ضمنا تحقيق مكانة ما، وبالنسبة للبعض الآخر فإنه يحمل معنى دينيا· فذات مرة وفي لقاء في باكستان مع أحد المسؤولين هناك·· وضع ذلك المسؤول الأمر على النحو التالي: '' أنتم في الولايات المتحدة لديكم قنبلة مسيحية واليهود لديهم قنبلة يهودية ··· فلماذا لا نستطيع نحن أن نحصل على قنبلة إسلامية؟''·
ولم يبد على الرجل أي اقتناع، عندما قلت له إن الأميركيين لا يعتقدون أن هناك أي رابطة بين القنبلة النووية وبين المسيحية· ولعله الآن يعتقد أننا نقوم بمساعدة الهند للحصول على قنبلة هندوسية، كما أن باكستان حصلت على تلك القنبلة منذ عدد أقل من السنين· وإذا ما أخذنا في اعتبارنا الخلاف بين الدولتين على كشمير وكراهيتهما لبعضهما، فإن الربط بين القنبلة والدين سيكون له بالتأكيد نتائج خطرة· والمكانة الوطنية التي يربطها الكثيرون بالحصول على الأسلحة النووية، هي السبب في الأهمية القصوى للسياسة الأميركية بشأن الموضوع النووي، حتى بالنسبة للاستخدامات السلمية للطاقة النووية· وهذه السياسة شديدة الأهمية في الحالات التي تبدو فيها وكأنها تدعم موقف طرف على حساب طرف آخر، كما هو الحال في القرار الذي اتخذته واشنطن بتقاسم التقنية النووية المدنية مع الدولة التي تعتبر أكبر منافسي باكستان على الإطلاق وهي الهند· وإذا ما تذكرنا أن الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف قد تعهد وبعد أيام قليلة من الحادي عشر من سبتمبر بتقديم كل ما يستطيع من دعم لأميركا في حربها على الإرهاب فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: ماذا سيفعل الجنرال الآن بعد أن قامت الولايات المتحدة بتحويل دعمها إلى الهند؟
والسياسة الأميركية الجديدة التي تهدف إلى تكريس الهند كمعادل إقليمي موضوعي للصين، تؤثر سلبا أيضا على العلاقات الأميركية - الصينية في وقت تحتاج فيه واشنطن إلى بكين لمساعدتها في العديد من المسائل الإقليمية، ومنها على وجه الخصوص مساعدتها في الضغط على كوريا الشمالية لدفعها للتخلي عن خططها النووية·
وإذا ما كانت الولايات المتحدة ستقوم بتقوية الهند على حساب الصين، فإنها ستؤثر على توازن القوى بين الهند وباكستان في نفس الوقت· ويأتي هذا بعد ما يزيد على 30 عاما من '' ميل'' السياسة الأميركية تجاه باكستان( العبارة للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون''· ومن عجائب المصادفات أن ذلك '' الميل'' نحو باكستان قد حدث اعترافا بالمساعدة التي قدمتها باكستان في تسهيل ترتيبات مهمة وزير الخارجية الأميركية الأسبق إلى الصين لفتح الطريق لرحلة نيكسون الرائدة إلى ذلك البلد·
علاوة على ذلك نجد أن الصين كانت تخطب ود الهند بل ووعدتها في هذا السياق بتقديم يد العون لها للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي في إطار خطة الأمم المتحدة لتوسيع المجلس·· وهي خطوة تتجاوز ما قامت به الولايات المتحدة ذاتها نحو الهند في هذا المجال·
بيد أن هناك جانبا آخر لهذه المسألة وهو ذلك المرتبط بسياسة بوش الخاصة بنشر الديمقراطية والحرية في مختلف مناطق العالم· فمن المعروف أن الهند هي أكبر ديمقراطية في آسيا، وأن لديها سجلا في تحقيق الاستقرار السياسي الديمقراطي يع