لو طلبت من قرائي العرب أن يذكروا لي اسم الزعيم العربي الأكثر إثارة للإعجاب من وجهة نظرهم، فماذا سيفعلون؟ أستطيع أن أتخيل قرائي العرب وقد لاح عليهم التردد لبرهة، ثم راحوا على عجل يذكرون لي قوائم تضم جميع الخيارات المتاحة من الزعماء، الذين سنكتشف أن أياً منهم لم يقم بعمل الكثير مؤخراً. أما أنا فإن لدي خياري الخاص الذي قد يدهشكم قليلا.. هذا الخيار هو الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة. إنني أعرف بالطبع أن الرجل ليس كاملا، وأنه قد ارتكب بعض الأخطاء، وأنه كثير الوعود، ومع كل ذلك دعوني أخبركم لماذا اخترت هذا الرجل تحديداً.
في عام 1999، اختير عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للجزائر للمرة الأولى في انتخابات حملت بعض سمات النظام السلطوي القديم الذي كان قائماً في الجزائر. كان من الواضح أن بوتفليقة هو مرشح العسكريين الذين يعتبرون الحكام الحقيقيين للبلاد. ومن المعروف أن بوتفليقة قد عاش خارج الجزائر لفترة طويلة، وتحديداً منذ أواخر السبعينيات، وبالتالي فإنه لا يمكن اعتباره مسؤولا عن العنف الذي استنزف البلاد في التسعينيات. وكان قد تولى منصب وزير الخارجية في الجزائر عام 1963 عقب استقلال البلاد، وكان لا يزال شاباً في ذلك الوقت. وظل بوتفليقة في هذا المنصب حتى وفاة الرئيس هواري بومدين، وكان طيلة فترة توليه لمنصبه يمثل (الوجه المدني) المقبول الذي يتخفى وراءه الحكام العسكريون.
أما انتخابات 1999 التي جاء بموجبها إلى الحكم فقد كانت تبدو تنافسية وديمقراطية في الظاهر قبل أن يقوم جميع المرشحين عشية الانتخابات بالانسحاب تاركين الساحة خالية لبوتفليقة، وكان سبب انسحابهم - كما قالوا- هو تلاعب العسكريين في إجرائها لضمان فوز الرجل الذي يؤيدونه. وخلال الجزء الأكبر من فترته الأولى في منصب رئيس الجمهورية، اضطر بوتفليقة للعيش تحت هذه السحابة من الشكوك والاتهامات. وبقدر ما كان الرجل يرغب في أن يكون هو الزعيم الحقيقي للبلاد، إلا أن العديد من الجزائريين كانوا ينظرون إليه على أنه لا يزيد كثيراً على كونه الوجه العلني للقوة الحقيقية التي كانت تدير البلاد من وراء ستار لعقود قبل ذلك وهم جنرالات الجيش وقوات الأمن. كان الجزائريون يعرفون أسماء الشخصيات الرئيسية بين هؤلاء الجنرالات على الرغم من أنهم كانوا نادراً ما يظهرون علناً.
بعد ذلك قام بوتفليقة بترشيح نفسه رئيسا للبلاد في انتخابات 2004، التي حدث فيها شيء مختلف. ففي هذه المرة قال العسكريون إن تلك الانتخابات ستكون محايدة – في حين رأى البعض منهم أنهم قد سئموا من بوتفليقة وأنهم يأملون أن يتم استبداله بشخصية أخرى أسهل قيادا. وتمت الانتخابات بدرجة من الانفتاح غير المألوف في العالم العربي. وكانت لدى بوتفليقة عدة مزايا في تلك الانتخابات منها أنه يشغل بالفعل منصب رئيس البلاد، وأنه كان يتحكم في بعض وسائل الإعلام المملوكة للحكومة. ولكنه لم يعتمد على تلك المزايا وخاض حملة انتخابية شاقة تحدث خلالها لأبناء الشعب في مختلف أنحاء البلاد. ومثله مثل غيره من السياسيين الناجحين، وعد بوتفليقة شعبه بمستقبل أفضل. وخلال حملته الانتخابية لم يكتف بتوزيع المساعدات على بعض المناطق الفقيرة من البلاد، ولكنه وعد أيضا بأنه إذا ما أعيد انتخابه سينهي العنف الموجود في البلاد من خلال إصدار عفو عام.
واستطاع بوتفليقة أن يكسب تلك الانتخابات بسهولة.. ليس بالنسبة الساحقة التي ذكرت الصحف أنه قد حققها ولكن المهم هو أنه فاز بالفعل. وترشيحي أنا لبوتفليقة ليس لأنه فاز في تلك الانتخابات، ولكن بسبب ما قام به منذ ذلك الحين.
فعلى امتداد الشهور الماضية نجح وبمهارة شديدة في نقل عدة جنرالات أقوياء بعيداً عن مراكز نفوذهم. كان أول من غادر هو الجنرال محمد العماري، رئيس الأركان. وبعد ذلك وفي فترة حديثة للغاية قام بوتفليقة بترشيح الجنرال القوي للغاية "العربي بلخير" الذي كان يشغل منصب رئيس ديوان الرئاسة سفيراً في المغرب.
وعلى الرغم من أن الأمن الجزائري لا تزال لديه بعض الشخصيات القوية المتبقية من الماضي، إلا أنه مما لا شك فيه أنه ليس هناك زعيم جزائري في التاريخ الحديث غدا أكثر تحرراً من قبضة العسكر أكثر من بوتفليقة.
ولكن ماذا عن جوهر سياسته؟ في الآونة الأخيرة ألقى الرئيس الجزائري خطابا قدم فيه اقتراحا بإجراء استفتاء على ما يعرف بـ"ميثاق السلام" الذي سيتم بموجبه منح العفو لبعض الأشخاص الضالعين في أعمال العنف، الذي استشرى في الجزائر في العقود الأخيرة (ولا ينطبق هذا على الذين شاركوا بشكل مباشر في ارتكاب العنف حسب تصريحات الرئيس).
وقد تعرض بوتفليقة لانتقادات حادة بسبب عرضه الخاص بالعفو جاءته من جهتين: الجهة الأولى هم أصحاب المنظور القومي والعلماني الذين رأوا أن الرئيس بعرضه هذا إنما يغازل الإرهابيين الإسلامويين، الذين ارتكبوا العديد من الفظائع في تسعينيات القرن الماضي. ولم يكن القوميون والعلمانيون هم الوحيدون الذين اعترضوا على هذا العفو حيث اعترضت عليه أيضا م