إذا ما صدقت استطلاعات الرأي وآراء الخبراء، فإن السيد علي أكبر هاشمي رفسنجاني هو المرشح الأقرب للفوز، واستعادة منصبه كرئيس للبلاد في الانتخابات الجارية حاليا في إيران. وعلى الرغم من أن الإيرانيين سينظرون إلى نتيجة تلك الانتخابات بنوع من الفتور والتسليم، بعد أن خابت آمالهم في تحقيق الإصلاح المنتظر تحت حكم الرئيس السابق محمد خاتمي، إلا أن إعادة تأهيل السيد رفسنجاني ستقابل بالترحيب في باريس ولندن وبرلين، بل وفي الولايات المتحدة الأميركية أيضا - للأسف الشديد.
وكانت القوى الغربية قد راهنت قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية الحالية على أن السيد رفسنجاني رجل الأعمال والملياردير الذي كان قد تولى رئاسة إيران من قبل خلال السنوات من 1989 إلى 1997 سوف يفوز كما تفيد أغلب التوقعات في جولة الإعادة التي ستجرى في يوم الجمعة القادم بينه وبين مرشح آخر في حالة عدم حسم النتيجة من الجولة الأولى. وهذه الدول تشعر أن رفسنجاني- على العكس من الرئيس الحالي محمد خاتمي- هو الذي قد يقوم بعقد صفقة يتخلى بموجبها عن البرنامج النووي الإيراني، وهي آمال أرى أنها في غير محلها.
فمنذ الشقاق الذي حدث بين جانبي الأطلسي حول الغزو الذي قادته أميركا للعراق، والقادة الأوروبيون متلهفون على إثبات قيمة ما يطلق عليه "القوة الناعمة" التي تمثل على ما يفترض ذلك المزيج السحري من الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية والتأثير الثقافي. لذلك فإننا رأينا ولما يزيد عن عام الآن بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهي تقوم بالتفاوض مع إيران في محاولة لإقناع نظام الملالي بإيقاف إنتاج اليورانيوم المخصب، وتفكيك البرنامج النووي لبلدهم.
لذلك لم يكن من المستغرب أن يقوم الإيرانيون بالتلاعب بالأوروبيين، من خلال عقد الاتفاقيات ثم القيام بخرقها، ثم عقد اتفاقات أخرى والتهديد بخرقها هي الأخرى. وبحلول هذا الربيع كان قد غدا واضحا أن الملالي لا يأخذون الأمر برمته على محمل الجد، وذلك قبل أن يظهر السيد رفسنجاني على الساحة مرة أخرى مقدما للأوروبيين طوق نجاة.
فعند قيامه بإعلان ترشحه لمنصب الرئاسة مجددا في شهر مايو الماضي أدلى رفسنجاني بتصريح قال فيه:"إنني أعتقد أن الحل الأساسي يكمن في الحصول على ثقة أوروبا وأميركا، وإزالة مخاوفهما بشأن الطبيعة السلمية لصناعتنا النووية". وعلى إثر ذلك التصريح أعلن الدبلوماسيون الأوروبيون تعليق المفاوضات الجارية، انتظارا لعودة "رجلهم" إلى سدة السلطة في إيران.
أما الولايات المتحدة فقد تعاملت مع تصريح رفسنجاني بحذر، وإن كانت لم تقم حتى الآن بتقديم بديل أفضل للتحرك قدما إلى الأمام بشأن هذه المسألة. لقد كان الرئيس بوش على صواب عندما قام بإدراج إيران ضمن محور الشر عام 2003.. ولكن كان عليه بعد أن قام بذلك، أن يقوم بتطوير سياسة متماسكة للتعامل معها، وهو ما لم يفعله حتى الآن على الأقل.
لذلك يمكن القول إن اللعبة الأوروبية مع إيران كانت هي اللعبة الوحيدة في المشهد. وبالتالي فإنه إذا ما كان الأوروبيون يحبون السيد رفسنجاني فإننا يجب أن نحبه أيضا.. أليس كذلك؟
بيد أن الشعب الإيراني لم يحب رفسنجاني بنفس هذه الدرجة من السهولة. فخلال فترة رئاسته الأولى في الحكم، اشتهر رفسنجاني بأنه رجل فاسد، متعطش للسلطة يجيد المراوغة والخداع. ولم تكن تلك كل صفاته، بل إن الرجل قام أيضا بسحق الحريات، وقاد البلاد إلى تراجع اقتصادي حاد، ودشن عهدا اتسم بالعدائية الشديدة ورعاية الإرهاب ولعب دورا في نسف أحد المعابد اليهودية في بيونس آيريس عاصمة الأرجنتين عام 1994 أسفر عن مصرع ما يزيد عن 80 شخصا، كما كانت له يد في الاغتيالات التي طالت العديد من المنفيين الإيرانيين في الخارج ومنهم رئيس الوزراء الأسبق شهبور بختيار عام 1991.
والحقيقة أن عددا ضئيلا من الإيرانيين هو الذي تحسر على نهاية عهده عام 1997. وفي عام 2000، حقق كتاب كشف النقاب عن الفظائع التي جرت في عهده أعلى أرقام المبيعات. وفي نفس هذا العام أيضا تعرض رفسنجاني إلى هزيمة مذلة في الانتخابات البرلمانية، عندما جاء ترتيبه الثلاثين في محافظته، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن مستقبله السياسي قد انتهى.
لذلك فإنني أرى أن عودته إلى المشهد السياسي في إيران لا ترجع إلى المطالب الشعبية، وإنما إلى مؤامرات ودسائس الملالي. الدليل على ذلك أنه من بين المرشحين المتقدمين لخوض انتخابات الرئاسة، والذين كان عددهم يزيد على الألف، لم يعتمد مجلس صيانة الدستور سوى ترشيح ثمانية منهم فقط، بحجة عدم انطباق الشروط على الباقي. علاوة على ذلك وجدنا متحدثا باسم المرجع الأعلى آية الله علي خامنئي يدلي بتصريح يقول فيه إنه في حالة انتخاب رفسنجاني فإننا:"سوف نكون قادرين في النهاية على أن نحصل لأنفسنا على القنبلة النووية التي تمكننا لحد ما من التصدي للأسلحة الإسرائيلية". فهل هناك بعد كل ذلك من لا يزال يتوقع أننا يمكن أن نحصل على فترة راحة في التعامل مع إيران من خلال مثل هذا