يعاني 325 مليون شخص حول العالم من التهاب الكبد الفيروسي، بنوعيه (سي) و(بي)، وهو ما يعني أن عدد المصابين بهذا المرض المعدي، يزيد على تسعة أضعاف عدد المصابين بفيروس مرض نقص المناعة أو الأيدز. ومن بين هؤلاء يلقى 1.45 مليون حتفهم بسبب مرضهم، مما يجعل التهاب الكبد الفيروسي أكثر الأمراض المعدية فتكاً ببني البشر، ولا يزيد عنه في ذلك إلا ميكروب السل فقط. وللأسف، رغم أن التهاب الكبد الفيروسي هو مرض يمكن الوقاية منه، وعلاجه، وفي حالة فيروس (سي) الشفاء التام منه، إلا أن 80 في المئة من المصابين يفتقدون إجراءات وتدابير الوقاية والعلاج.
فعلى حسب تقرير صدر في منتصف عام 2016 عن فريق من العلماء بجامعة «إمبريال كوليدج لندن» في بريطانيا، وبالتعاون مع علماء جامعة «واشنطن» في الولايات المتحدة، ونُشرت نتائجه في واحدة من أشهر الدوريات الطبية في العالم (The Lancet)، ظهر أنه رغم توافر تطعيم يحقق الوقاية ضد فيروسي (B) و(A)، وتوافر علاج يحقق الشفاء ضد فيروس (C)، لا زالت الوفيات من التهابات الكبد الفيروسية بجميع أنواعها، تتخطى حالياً عدد الوفيات الناتجة عن الإيدز، وتقارب الوفيات الناتجة عن ميكروب السل، بناءً على أن وفيات التهابات الكبد الفيروسية قد زادت من أقل من مليون عام 1990، لتصل إلى 1.45 مليون وفاة عام 2013، مقارنة بمجرد 1.2 مليون حالياً يموتون بسبب فيروس الإيدز، و1.5 مليون يموتون بسبب ميكروب السل.
هذه الأرقام والإحصائيات شكلت واجهة فعاليات اليوم العالمي للقضاء على التهاب الكبد الفيروسي (World Hepatitis Day) الذي يحل كل عام في الثامن والعشرين من شهر يوليو، واستضافتها لهذا العام خلال اليومين الماضيين العاصمة الباكستانية. واستغلت منظمة الصحة العالمية هذا الحدث، لإطلاق تقديرات الاستثمارات الإضافية المطلوبة، لتحقيق أهداف القضاء على التهاب الكبد بحلول عام 2030، والمتفق عليها دولياً، ضمن الإطار العام لما يعرف بالرعاية الصحية الشاملة للجميع (Universal Health Coverage).
وينتج التهاب الكبد الفيروسي، من العدوى بخمسة أنواع مختلفة من الفيروسات، يُشار إليها بالأحرف الإنجليزية (A، B، C، D، E). وتحدث العدوى بفيروسي (B) و(C) بشكل أساسي عن طريق الدم، إما خلال عمليات نقل الدم الملوث، وإما باستخدام الحقن والأدوات الطبية الملوثة بالفيروس، أو بين مدمني المخدرات باستخدام الحقن، كما يمكن أيضاً أن تحدث العدوى من الأم لطفلها، أو من خلال الاتصال الجنسي حيث يوجد الفيروس في السائل المنوي. ومن الممكن سد طرق انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، ومن ثم تحقيق الوقاية من الإصابة بالعدوى، من خلال سبل وإجراءات موثقة، ذات كفاءة وفعالية، تبدأ جميعها بضرورة توعية العامة بطبيعة هذا المرض، وكيف يمكن تحقيق الوقاية منه.
أهمية التوعية بطبيعة المرض وسبل الوقاية منه تتجسد في الإجراءات والتدابير اللازمة لرفع مستوى الوعي بهذا المرض اللعين، مع ضرورة رفع وتحسين مستوى خدمات الرعاية الصحية المتعلقة به، مثل الفحوصات التشخيصية، والأدوية والعقاقير الطبية المستخدمة في العلاج. انطلاقاً من حقيقة أن شخصاً واحداً فقط، من بين كل 20 شخصاً مصابين بالفيروس، على دراية بإصابتهم بالمرض من الأساس، كما أن واحداً فقط من بين كل 100 مصاب بالفيروس يتلقى العلاج المناسب حالياً.
ويرتبط التهاب الكبد الفيروسي المزمن، وبالتحديد نوعي (B) و(C)، ارتباطاً وثيقاً بزيادة احتمالات الإصابة بتليف وسرطان الكبد، لدرجة أن 60 في المئة من حالات سرطان الكبد هي نتيجة التأخر في تشخيص وعلاج التهابات الكبد الفيروسية. فكثيراً ما لا تظهر أعراض الإصابة بتلك الفيروسات لفترة طويلة، وأحياناً لسنوات وعقود كاملة، وخلال هذه الفترة يتم تدمير خلايا الكبد ببطء وفي صمت، لتكون أول علامات وأعراض الإصابة هي أعراض وعلامات الإصابة بالسرطان على خلفية العدوى الفيروسية الكامنة لعقود.
وعلى صعيد العائد على الاستثمار في الوقاية من التهاب الكبد الفيروسي وعلاجه، تقدر المنظمة الدولية أن مثل هذا الاستثمار المطلوب سيرفع من تكلفة الرعاية الصحية على مستوى العالم بنسبة 1.5 في المئة، إلا أنه سيحقق عائداً كبيراً وهاماً في المخرجات الصحية على المستوى الدولي. حيث يقدر أن الاستثمار في خدمات التشخيص والوقاية ضمن منظومة الرعاية الصحية الشاملة، يمكن أن يخفض من الوفيات العالمية بنسبة 5 في المئة، وأن يزيد مما يعرف بعدد «سنوات الصحة» التي يحياها الإنسان بصحة وعافية بنسبة 10 في المئة، وذلك كله بحلول عام 2030.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية