أثار الأمين العام للأمم المتحدة مجدداً في تصريحاته بتاريخ 12 أغسطس الجاري قضية إصلاح مجلس الأمن بمناسبة حديثه عن التمثيل غير العادل لأفريقيا في المجلس، فقد ربط قضية التمثيل الأفريقي فيه بتكوين المجلس ككل عندما أشار إلى أنه كان حجر الأساس للسلم والأمن العالميين منذ عام 1945، لكن التصدعات في أساسه أصبحت أكبر بكثير من أن يتم تجاهلها، وأشار إلى أن العالم قد تغير، لكن تكوين المجلس لم يواكب ذلك، وهذا هو بيت القصيد، إذ لا يخفى عجز المنظومة الدولية، وبالذات رأسها المتمثل في مجلس الأمن عن الحفاظ على السلم والأمن العالميين بدليل ما يجري في أوكرانيا منذ أكثر من سنتين، وما يجري في غزة منذ قرابة العام، واتصالاً بحديثه أشار الأمين العام إلى أن أفريقيا حاضرة بشكل مفرط في التحديات التي يواجهها العالم، بينما هي ممثلة تمثيلاً ناقصاً في هياكل الحوكمة العالمية التي يُفترض أنها صُممت لمواجهة هذه التحديات، والواقع أن مشكلة تمثيل أفريقيا في مجلس الأمن ليست سوى جزء من قضية إصلاح المجلس بصفة خاصة، وإصلاح الأمم المتحدة بصفة عامة.
ومن المعروف أن قضية تعزيز التمثيل الأفريقي في مجلس الأمن ليست جديدة، وقد طُرحت منذ سنوات فكرة تمثيل أفريقيا بعضو دائم في مجلس الأمن، وكانت هذه الفكرة جزءًا من محاولات تحديث بنية الأمم المتحدة التي صُممت استناداً إلى نتائج الحرب العالمية الثانية التي كانت ألمانيا واليابان مثلاً بموجبها دولتين مهزومتين، بينما هما الآن قوتان كبيرتان لهما تأثيرهما العالمي، الذي يجعلهما جديرتين بعضوية دائمة في مجلس الأمن، وثار الجدل في هذا السياق حول ما إذا كان الأعضاء الدائمون الجدد في المجلس سوف يتمتعون بحق الاعتراض (الفيتو) من عدمه، أم سيُكتفى بالتمثيل الدائم كنقلة نوعية في أوضاعهم.
وكانت هناك مشكلة أخرى بالنسبة لأفريقيا تتعلق بالدولة التي ستحظى بشرف تمثيلها في المجلس، وذلك بالنظر إلى وجود عديد من الدول الأفريقية الوازنة المتنافسة على نيل هذا الشرف كنيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر، وكذلك إثيوبيا التي يمكن أن تستند في مطالبتها بالمقعد الأفريقي الدائم إلى قِدَم استقلالها ورمزية دورها في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية التي تحولت لاحقًا للاتحاد الأفريقي، ومع ذلك فقد كان ممكناً حل هذه المشكلة بسهولة لو تمت الموافقة على المبدأ، وذلك بأن يكون العضو الأفريقي الدائم في المجلس هو الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، وسوف يكون لهذه الفكرة فائدة مزدوجة، فمن ناحية سوف تتغير الدول التي يأتي منها هذا الرئيس، مما يلبي اعتبارات المكانة لدى عدد يُعتد به من الدول الأفريقية، لكنه من ناحية أخرى لن يكون ممثلاً لدولته، وإنما لمواقف الاتحاد الأفريقي كما تعكسها قرارات القمم الأفريقية التي تعبر عن الإجماع أو توافق الرأي الأفريقي.
غير أن مشكلة مجلس الأمن لا تكمن فحسب كما هو معروف في عدم التمثيل العادل للقوى الدولية وفقًا للواقع الدولي الراهن وليس لعالم ما بعد الحرب الثانية، وإنما أساس هذه المشكلة التي لا يبدو في الأفق أي بادرة أمل لحلها هو حق الاعتراض «الفيتو» الذي يصيب المجلس بالشلل تجاه أي قضية لا يتوفر فيها توافق بين الدول المتمتعة بهذا الحق، وما أكثر هذه القضايا وأخطرها!
*أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة