لا شك أن أعمال التصعيد الأخيرة في المنطقة، وبالذات تلك التي تضمنت اغتيال شخصيات قيادية في المعسكر المناوئ لإسرائيل في الحرب الدائرة الآن في غزة، سوف تكون لها تداعياتها الواضحة على مجرى التطورات في المنطقة وبالذات في مسألتين بالغتي الأهمية أولاهما مستقبل المفاوضات الدائرة منذ شهور حول صفقة جديدة للتبادل بين إسرائيل والمقاومة، والثانية احتمالات توسيع نطاق الصراع ليصبح صراعًا إقليميًا مفتوحًا تنخرط فيه بالضرورة قوى دولية كبرى، وتركز هذه المقالة على المسألة الأولى لأنه بينما تتباين الآراء حول الثانية بين من يرون أن ردود فعل الأطراف المعنية ستبقى في حدود قواعد الاشتباك المرعية حتى الآن، ومن يعتقدون أن الضربات الأخيرة ستفضي للخروج على هذه القواعد فإن ثمة إجماعاً على أن خطوات التصعيد الأخيرة قد قضت على احتمال نجاح المفاوضات الرامية للتوصل لصفقة تبادل جديدة للأسرى والرهائن بين إسرائيل والمقاومة.
ويستند الرأي السابق إلى أكثر من حجة، فهناك أولاً أن الصفقة كانت متعثرة أصلاً، وذلك لأن خطوطها العريضة منذ البداية وحتى وقعت التطورات الأخيرة لم تكن تتضمن بأي حال تصفية للمقاومة في غزة. صحيح أن ترتيبات اليوم التالي ما بعد وقف إطلاق النار كان من الممكن أن تضمن لإسرائيل ما تريده، لكن التوصل للصفقة التي تتضمن وقفًا لإطلاق النار وانسحابًا للقوات الإسرائيلية من غزة دون نص صريح على تصفية المقاومة فيها لم يكن ليتناسب مع مزاج اليمين المتطرف الذي يرتهن الحكومة الإسرائيلية، ناهيك بأن ذلك يتسق مع توجهات نتنياهو ومصلحته في البقاء في الحكم، ولذلك أخذ يقيم العراقيل واحداً تلو الآخر بحيث نجح في إجهاض جهود التوصل لاتفاق رغم ضغوط المؤسستين الأمنية والعسكرية في إسرائيل، وأسر الأسرى والرهائن، والضغوط الأميركية، فتارة يدعي أن الوسيط المصري غير في شروط الصفقة، وتارة أخرى يقول إن بايدن لم يكن دقيقاً في عرض المقترح الذي أعلنه ونسبه لنتنياهو نفسه، وتارة ثالثة يضيف في كل مرة شروطًا جديدة من شأنها بشهادة مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين أن تجهض جهود التوصل لاتفاق.
ومن هنا يمكن القول بأن الصفقة كانت تواجه طريقاً مسدوداً بسبب مواقف نتنياهو من قبل عملية الاغتيال الأخيرة في طهران، فما بالنا وقد طالت هذه العملية الرأس السياسي لأهم الفصائل الفلسطينية، خاصة وقد تمت دون تصعيد نوعي من قِبَلها، بمعنى أنه يمكن لإسرائيل أن تبرر عملية الاغتيال التي تمت في الضاحية الجنوبية لبيروت بأنها رد على واقعة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، بغض النظر عن الآراء المختلفة حول المسؤول عنها. أما عملية الاغتيال التي تمت في طهران فليس لها من تبرير إلا اعتقاد القيادة الإسرائيلية بأن هذه العملية من شأنها أن تساعد في تحقيق هدفها الاستراتيجي، وهو القضاء على المقاومة، وهو اعتقاد مشكوك في صدقيته من واقع الخبرة الماضية لعمليات الاغتيال السياسي عموماً، وللقيادات السياسية خصوصاً، إذ تظهر هذه الخبرة أن تلك العمليات لم تضع نهاية حاسمة للتنظيمات التي كانت هذه القيادات تتزعمها، بل لقد واصلت مسيرتها وتصاعُدَ أدائها حتى ولو كانت قد أُصيبت بهزة مؤقتة من جراء نجاح عملية اغتيال أو أخرى بدليل ما يجري اليوم.
*أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة