سؤال يؤرق العالم وشعوبه: هل تعود الحرب الباردة من جديد بعد أن تنفس البشريةُ الصعداءَ قبل 30 عاماً من الآن؟! يبدو أن الحرب الباردة، وللأسف الشديد، توشك أن تعود، وإن بصيغة جديدة مختلفة لا تمثل الأيديولوجيا محور الصراع فيها.

ولعل الحديث المتكرر في الآونة الأخيرة حول السلاح العسكري الأشد فتكاً وتدميراً في العالم، أي السلاح النووي، يمثل مؤشراً قوياً على عودة الحرب الباردة في مرحلتها الجديدة وإطارها المختلف.

والبداية في حديثنا هنا هو ذلك القرار الذي تم اتخاذه، في تقديرنا، دون احتساب العواقب والتبعات التي قد تترتب عليه، ألا وهو القرار الذي يفيد بمعاودة الولايات المتحدة، اعتباراً من عام 2026، نشر أنظمة أسلحة تصل مديات بعيدة للغاية، وذلك ضمن خبر بثته إحدى وكالات الأنباء في ألمانيا. وهو تطور يشكل منحى خطيراً في هذا الشأن.

ووفق رؤية الخبراء المختصين في قضايا التسلح والصراعات الجيوسياسية، فإن قرار نشر منظومات الصواريخ التي تم تطويرها خلال العقود الماضية، مثل Toma-Hook وSM6، وهي أسلحة أسرع من الصوت وأشد تدميراً وفتكاً من نسختها القديمة (قبل 30 عاماً ويزيد)، يعد قراراً غير صائب، على الأقل من وجهة نظر عقلاء العالم وحكماء العصر، إذ يشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلم العالميين ككل.

ورغم المزاعم القائلة بأن روسيا قد انتهكت المعاهدة الخاصة بنشر الأسلحة النووية، الموقّعة في تسعينيات القرن الماضي، إذ قامت بنشر منظومة الصواريخ متوسطة المدى (SSC8)، فإنه لا يوجد خطأ يبرر خطأً آخر، لا سيما في قضايا حساسة تتصل بالأسلحة التدميرية.

إن ذلك لا يبرر نشر صواريخ في أي بقعة من العالم. وأمام هذه التطورات الأخيرة تتعالى النداءات المطالبة لكبار العالم: رفقاً بكوكب الأرض.

لا يمكن لإنسان هذا العصر أن يفتقد الأساليب الأكثر إنسانية ورقياً في التعامل مع أخيه الإنسان، لتجنب الدمار الشامل، بغض النظر عن أي طرف من الأطراف، لا سيما أنه لا توجد وسيلة لتسوية الخلافات وإنهاء الصراعات أفضل من الحوار.. فالحوار أولاً وأخيراً هو السبيل الأمثل لتخطي المشكلات مهما كانت درجة تعقّدها ومهما كانت درجة الاحتقان والتوتر في النفوس. إن القضية خطيرة جداً وقد تزداد خطورة مع ازدياد الحشد والتصعيد في غياب التفكير المنطقي والعقلاني والإنساني.

وفي هذا الصدد نتذكر أن الحرب الباردة التي استمرت قرابة خمسة عقود من القرن العشرين، قد تم التوصل أخيراً إلى حل بسيط جداً أفضى إلى إنهائها من خلال المفاوضات الجادة والحقيقية بين زعماء الغرب والشرق، فخرج الجميع بقرارات جريئة جنّبت العالمَ أخطاراً نووية غير محمودة العواقب. واليوم، فإن العالم لا يتحمل حرباً باردة جديدة.

*كاتب كويتي