في أغسطس عام 2018 نجح أحد اللصوص في سرقة طائرة من مطار سياتل بولاية واشنطن الأميركية، كان اللص عاملاً في شركة طيران وكانت مهام عمله تتعلق بحركة الحقائب عند الوصول. في عام 2022 بثت السلطات الأميركية مشاهد السرقة الدرامية، فقد خرج اللص بثقة، ثم قاد عربة حمل حقائب على أرض المطار، ولما وصل إلى الطائرة أنزل السلم وصعد سريعاً، وفي لمح البصر كانت الطائرة تُقلع ثم تحلّق في السماء. ذُهلت شركة الطيران المالكة فأبلغت السلطات أن لصاً سرق طائرة ركاب تابعة لها، وأقلع بها وهى فارغة!

تعاملت السلطات باعتبارها عملية إرهابية فأقلعت طائرات مقاتلة لمتابعتها. مكث اللصُّ في السماء أكثر من ساعة، ثم سقط بالطائرة في جزيرة قريبة فمات على الفور، وتحطمت الطائرة وسط النيران، ثم اتضح أنه مجرد شخص مختلّ ولم يسبق له الحصول على رخصة طيران، وأنه ربما تلقى تدريباً على برنامج محاكاة على شبكة الإنترنت. ثمّة محاولة أخرى لسرقة طائرة جرت هذا العام، لكنها كانت محاولة لسرقة طائرة نووية. وحسب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، فإنّ أوكرانيا و«الناتو» تواصلت أجهزتهما مع طيار روسي مقاتل يقود قاذفة استراتيجية يمكنها حمل أسلحة نووية. وعبْر رسائل عديدة على تطبيق تليجرام تم تقديم عرض مالي واجتماعي رفيع، مقابل أن يغادر الطيار بطائرته «النووية» للهبوط في مطار أوكراني، ثم تسليم الطائرة والمغادرة حسب الاتفاق.

قالت موسكو إن الطيار أبلغ السلطات الروسية، والتي قامت بقصف المطار المقصود، بعد أن حصل الطيار على معلومات عنه في أثناء مفاوضات الهروب. في أبريل 2024 أعلنت أوكرانيا إسقاط قاذفة استراتيجية روسية، وقالت وسائل إعلام غربية إن روسيا نقلت قاذفاتها الاستراتيجية إلى القطب الشمالي بعد الحادث. إن الحرب الروسية الأوكرانية تمضي إلى الجانب الأخطر منها، فها نحن نقترب أكثر فأكثر من القاذفات الاستراتيجية والأسلحة النووية، وقد كان رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان على صواب حين حذّر من أن القادم في تلك الحرب سيكون الأسوأ.

إن نجاح لصّ في خطف طائرة أميركية، ومحاولات الغرب سرقة قاذفة استراتيجية روسية، وصعود استخدام الذكاء الاصطناعي عسكرياً ومدنيًا يُنذر بخطر كبير. فقد تفلت الأمور حتى من دون قصد، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. في مذكراته يروي رئيس الأركان الأميركي الأسبق هيو شيلتون واقعة مذهلة، وحسب BBC التي نقلت عنه.. فإن الشفرة النووية الأميركية يتم تغييرها كل (4) شهور، وخلال تلك المدة تكون عادة برفقة أحد أقرب مساعدي الرئيس.

وفي عهد الرئيس بيل كلينتون تم فقدان الشفرة النووية، حيث لم يستطع مسؤول التفتيش عن الشفرة النووية تأكيدها مع مساعد الرئيس الذي تحجّج بأن الرئيس مشغول للغاية، ثم في التفتيش التالي بعد شهر قال الأمر نفسه، ولما جاء موعد تغيير الشفرة فيما بعد فوجئ المسؤول أن مساعد الرئيس قد فقد الشفرة، ولمّا صُدم المفتش وراح يحقق كانت المفاجأة أن الرئيس لم يعلم بأمر فقدان مساعده للشفرة النووية على مدى أربعة شهور!

إن عالمنا الذي يبدو متقدماً للغاية، علمياً إلى أبعد الحدود، مُتقناً إلى ما لا نهاية.. يعاني هشاشة خفيّة، ولربما ذات شفرة أخرى أو قاذفة استراتيجية أخرى.. أضاع العالم نفسه كطفلٍ يلهو لا يعلم أنّه يعبث بحياة (8) مليارات نسمة.

* كاتب مصري