هؤلاء الذين يعتقدون أن رئاسة ترامب الثانية ستكون كارثة للولايات المتحدة وحلفائها، كانوا يعرفون دائماً أن جو بايدن لديه نقاط ضعف بسبب عمره. لكنهم كانوا على استعداد لقبول هذه المخاطرة على أمل أنه سيظل أفضل رجل يهزم ترامب في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الخامس من نوفمبر المقبل.

لكن لم يتوقع أحد أن يقدم بايدن أسوأ أداء في مناظرة متلفزة لأي مرشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة في التاريخ الحديث. ففي اللحظة التي خرج فيها على المسرح في استوديوهات شبكة «سي إن إن» في أتلانتا، يوم السابع والعشرين من شهر يونيو المنصرم، رأى الجميع أن شيئاً ما كان خطئاً للغاية.

وقد تسبب أداؤه المفاجئ في حدوث اضطراب داخل أوساط الحزب الديمقراطي الذي أصبح من المتعين عليه الآن أن يقرر ما إذا كان سيجد مَن يحل محل بايدن في هذه المرحلة المتأخرة، والمخاطرة بفتح معركة داخلية ستكون مثيرة للانقسام حول خليفته. حتى الآن، أوضح بايدن ودائرته الداخلية أنهم يعتزمون تجاوز العاصفة ومحاولة استئناف الحملة. لكن يبدو أنهم غير راغبين في إخضاع بايدن للأخذ والعطاء في مؤتمر صحفي مفتوح للإجابة على الأسئلة المتعلقة بصحته، ويفضلون الخطابات الثابتة باستخدام عارض النصوص (ملقن من بُعد).

وتظهر تقارير جديدة يومياً تشير إلى أن مناظرة شبكة «سي إن إن» كانت واحدة من المناسبات العديدة التي أظهر فيها بايدن الضعفَ وعدمَ التماسك في الأشهر الماضية الأخيرة. باختصار، كان مستشاروه يعرفون حدودَه، لكنهم اعتقدوا أنه إذا تمكن من أن يؤدي أداءً جيداً في أتلانتا، فسيسترد نفسَه أمام جمهور عالمي. ووسط ضجة الاتهامات المتبادلة، تضيع المفارقة المتمثلة في أن أداء دونالد ترامب في المناظرة كان ثاني أسوأ أداء في التاريخ الأميركي. فقد ظل لمدة تسعين دقيقة يضخم ذاتَه ويتفاخر ويبالغ بشأن سجله السابق في البيت الأبيض. لقد أطلق ادعاءات كثيرة حول مهاراته الدولية كدبلوماسي وعزمه على ترحيل ملايين المهاجرين الذين وصفهم بالإرهابيين والمغتصبين ورجال العصابات العازمين على الاستيلاء على وظائف العمال الأميركيين. في الظروف العادية، لم يكن تَفاخُرُه ليخدمَه بشكل جيد بين الناخبين المتأرجحين.

وبدلاً من ذلك، خرج فائزاً فقط لأنه كان أفضل من بايدن. ولم يفعل ترامب شيئاً لطمأنة العالم بأن إدارته الثانية ستكون أكثر توحيداً من الأولى، بل يواصل الحديث عن الانتقام. وفي خطاباته اللاحقة، تحدث عن إطلاق إجراءات جنائية ضد أبرز معارضيه «الجمهوريين»، وخاصة المحامية والسياسية وعضو مجلس النواب (عن ولاية وايومنغ) ليز تشيني. وتعرضت خطط «الديمقراطيين» لضربة قوية أخرى، في الأول من يوليو الجاري، عندما قررت المحكمة العليا الأميركية في حكمها الصادر بأغلبية 6 مقابل 3 أن الرئيس يتمتع بحصانة واسعة النطاق من الملاحقة القضائية على الأفعال التي يقوم بها أثناء العمل الرئاسي الرسمي. وبالنسبة للكثيرين، يُعد قرار المحكمة العليا هذا من بين القرارات الأكثر خطورةً، والتي لديها عواقب بعيدة المدى، إذ تم إصدارها على الإطلاق. ومن شأنه، في الواقع، أن يمنح الحصانةَ مِن الجرائم المرتكبة ضد المعارضين السياسيين ويعفي الرئيس من تهم الفساد والرشوة وتعظيم الذات. ويأمل ترامب استخدامَ هذا الحكم لتبرئته من التهم القانونية العديدة الموجهة إليه. لكن هل هناك أي أمل في العثور على بديل لبايدن؟

ما لم يحدث ذلك قريباً، فسيكون الأوان قد فات، وسيتم اختيار بايدن في المؤتمر الديمقراطي المقرر في شيكاغو خلال أغسطس القادم. عند هذه النقطة، سيتعين على الحزب أن يأمل في أن القضايا المهمة، وخاصة التعليم والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وحق المرأة في الاختيار.. إلخ، ستعني إقبالاً كبيراً من المؤيدين. ويراهن الديمقراطيون على أن ينظر الناخبون المتأرجحون إلى حدّة ترامب المتأصلة والانقسام الذي يحدثه على أنهما أكثر إثارةً للقلق من عجز بايدن. وهناك أيضاً احتمال أن يعاني ترامب نفسه من انتكاسة صحية ويظهر تدهوره المعرفي. لكن حتى هذا الوقت، يعتبر ترامب هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات.

إن استعداد المانحين الديمقراطيين الأثرياء لمواصلة دعم بايدن سيكون مؤشراً حاسماً في الأيام المقبلة، وكذلك استطلاعات الرأي الجديدة التي تشير إلى قدرة بايدن على النجاة من هذه الكارثة.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن