في هذا الزمن تتنافس العديد من دول العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، وتتسابق لتحقيق إنجازات على صعد التفوق التكنولوجي. لكن الصين قفزت إلى مراكز متقدمة بتفوقها على معظم الأقطار المتنافسة معها في هذه المجالات المهمة جداً في عالم اليوم. لكن ما هو واضح أن الصين قطعت أشواطاً أكثر تقدماً من غيرها في هذه المرحلة.

وقبل سنوات قليلة مضت كان يقال عن الصين بأنها «مقلد» للتكنولوجيا الغربية واليابانية، لكن قصة نجاح الصين أكثر من مجرد القيام بتقليد الغير، فالقائم بالتقليد قبل سنوات قليلة أصبح اليوم متقناً لصناعة متقدمة ومنتجاً لسلع أكثر جودة.

إن استراتيجيات وتكتيكات الصين الخاصة بالتحول والتغيير تعكس النظام الاجتماعي - البيئي «sono - ecosgsten لتطور الصين التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي. هذا النظام الاجتماعي - البيئي هو الرصيد العظيم لنجاح الصين الاقتصادي، وهو قائم على رواد مكافحين من رجال الأعمال الصينيين الطموحين. رجال الأعمال الطموحون المنتجون هؤلاء تفوقوا على غيرهم من رجال الأعمال حول العالم المنافسين لهم، وهم الذين كانوا يوصفون بالمقلدين قبل سنوات قليلة.

لقد أصبح هؤلاء هم الذين يديرون قواعد اللعبة، وهم الذين يضعون قواعد تلك اللعبة وفقاً لشروطهم ويحركونها وفقاً لمتطلبات مصالحهم. لقد تعلموا كيف يستمرون في البقاء الناجح ضمن المنافسة في اللعبة الأكثر تنافسية وخطورة، وبعد ذلك تمكنوا من رفع شأن بلادهم في مجالات الثورة التكنولوجية والإنترنت والهواتف المحمولة والذكاء الاصطناعي، وأن يبثوا الحياة في الاقتصاد الصيني الجديد القائم على حسابات رغبات المستهلكين، وإيصال السلع والخدمات إليهم وهم جالسون في أماكنهم.

ويقابل ذلك أن البشر في هذه المرحلة من التاريخ الإنساني لديهم رؤى خاصة بهم بأنه يمكن لهم العيش المشترك بسلام مع وجود الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى ما يمكن لهم تحقيقه من تقدم وازدهار في ظل وجوده. لكن الوصول إلى هذه الأهداف السامية - على مستوى تكنولوجي اجتماعي وإنساني - يتطلب منهم أولاً فهم سبل الوصول، أو كيفية الوصول إلى هناك.

ولكي يفعلوا ذلك يمكن لهم النظر إلى الوراء لربع قرن مضى أو ما يزيد على ذلك قليلاً، عندما كانت الصين توصف بأنها أرض لشركات التقليد، وكان وادي السيلكون في غرب الولايات المتحدة الأميركية هو مركز الابتكار والإبداع التكنولوجي ويقف وحيداً على رأس التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم. ونتيجة لهذا التفوق الصيني على صعد التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي من جانب، وما حدث من تطورات وأحداث متسارعة على مدى السنوات الماضية من جانب آخر، والتي ساقت الصين لكي تصبح عملاقاً صناعياً ورائداً سباقاً في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، أصبحت الصين أيضاً عملاقاً على صعيد التجارة الدولية. الصين أصبحت من أكثر دول العالم اندماجاً في الاقتصاد العالمي، وربما الأكثر رأسمالية في التعاملات الخارجية على صعيد التجارة الدولية من ناحية كسب العقود الكبرى وتحقيق الأرباح في شتى المجالات، خاصة التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي.

أصبحت وجهة تجارية يفد إليها رجال الأعمال من كل حدب وصوب. وأصبح الجميع مدركاً لأهميتها وراغباً في إقامة علاقات تجارية مع سوقها الضخمة.

وقام قادة الصين الجدد بتغيير الإجراءات القديمة واستبدالها بقوانين ونظم وإجراءات جديدة تواكب الانفتاح. هذه الإجراءات سهلت الكثير على رجال الأعمال والمستثمرين الذين وفدوا من شتى بقاع الأرض. كانت الصين توصف بـ «العملاق النائم» الذي كان مغلق الأبواب، لكن أتت التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي لكي يوقظ العملاق النائم.

د. عبدالله جمعة الحاج *

* كاتب إماراتي