دائماً ما يفزع بعض الناس من كلمة التجديد، فكيف إذا ارتبطت بالدين؟ فما إن ينطق أحدٌ ما مصطلحَ التجديد في الدين حتى يهبّ العامة إلى لصق تهم الزندقة ومخالفة العقيدة ومحاولة مسخ الدين، فيما يستغل بعض الكتاب هذه الحالة ليجلدوا المتحدث حول التجديد ويرجموه كلامياً حتى قبل أن يطلعوا على ما كتب، فتكون التهم بالجملة، وأشهر تلك التهم الخروج عن الملة ومحاولة تشويه الدين وغيره الكثير من التهم المعلّبة الجاهزة، التي لا تراعي قيمة الكاتب أو المجدد، وبعضهم لهم باع كبير على المستوى العلمي والديني ولهم قدرة على سوق الحجج والبراهين الواضحة.. لكن العقل الجمعي المتحجر أصبح أكثر قسوة مما قبل، فربما عقول الناس قبل ألف سنة كانت أكثر قبولاً لأمور شتى من عصرنا هذا، لكن حالياً وبمجرد سوق أي كلمة عن الدين يحشدون ويزمجرون دون حتى أبسط دراية بما حدث!

ومثال ذلك إذا أصدر أحدهم كتاباً جديداً يتناول مواضيع دينية، وبالأخص موضوع التجديد في الدين، تجد أن الشارع ومن يريد تأجيجه يهاجمون المؤلّف ويكفّرونه ويخرجونه من الملة، حتى قبل قراءة أو معرفة ما بين دفتي الكتاب، فقط يكفيهم العنوان لكي يتهجموا على الكاتب وربما إباحة دمه! فكرة التجديد ليست بجديدة وقد تعرضت معظم الأديان للتجديد بهدف مواكبة الزمان والعصر، وقد حدث ذلك في المسيحية وغيرها، أما في الدين الإسلامي فقد كان هناك مجددون على مر العصور، وقد بشّر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة مَن يجدد لها دينَها»، وهذا دليل على الحاجة للتجديد.

وعند الحديث عن التجديد في حالة الدين الإسلامي عادة ما يتم طرح التفاسير وليس النصوص، وهذا بالضبط ما هو مطلوب، وهذا شرعي وليس فيه أي خطر، بل على النقيض فالتفاسير الخاطئة هي منبت الفتنة ومفتاح الفرقة بين المسلمين، وعبر هذه التفاسير المغلوطة خرج رأس الفتنة والإرهاب من التنظيمات التي زرعت الشقاق بين المسلمين، وحاولت ضرب أسس عقيدتهم عبر فهم خاطئ للدين الإسلامي، وترويج لما يكيفونه حسب هواهم من تفاسير وجدوا فيها ضالتهم، فكيفوها وعمموها بهدف الانطلاق في غيهم وعدوانهم، وأول مَن تضرر من ذلك هم المسلمون أنفسهم. لكل ذلك يجب أن نفهم كل تجديد وأن نضعه في سياقه، نناقشه ونحاوره خاصة إذا كان المجدد صاحب علم ودين وفهم ودراية، وهناك بينات واضحة على علمه وثقافته من كتب وكتابات تدعم أقواله، فإذا اجتهد أحد المجتهدين فهذا أمر لا بأس به، إذ الاختلاف والتنوع مصدرا قوة وليسا دليل ضعف، وهما يعززان النقاش والوصول إلى الحالة المثلى المطلوبة في تجديد الدين.

وبدل أن نلاحق المجددين، يجب أن نقيم مؤتمراً كبيراً يضم علماء دين من شتى بقاع الأرض ومناقشة مفهوم التجديد دون تعصب، فالتجديد في التفاسير وليس في نصوص القرآن أمر متاح، حيث إن الاجتهادات التي كانت في زمان ومكان مختلفين منذ 500 سنة أو حتى ألف سنة لا تناسب هذا الزمان، ويجب أن نواكب عصرنا، وهنا نتحدث عن التفاسير وليس النصوص كي لا يصطاد أحدهم في الماء العكر كما يفعلون مع أي شخص يدعو إلى التجديد.. وهذا ما يجب أن ينتهي.

*كاتب إماراتي