في شهر القراءة قدمت محاضرة بعنوان «قراءات في قيم التسامح»، فتطرقت نماذج من التسامح نشأنا عليها في مجتمع الإمارات، لاسيما تلك المرتبطة بالأعراف السائدة والمبادئ والممارسات، التي جعلت من بلادنا قبلة للتعايش، والسلام، والأخوة والإنسانية. وبدأنا بتعريف قيمة القراءة التي تنير دروب العلم والمعرفة، وتفتح آفاقاً للإبداع والتميز، وكيف أن للقراءة أثراً أكبر وأكثر وقعاً من القول، فهي تُلهم الأذهان وتشحذ العقول وتعزز الثقة بالنفس، فينطلق القارئ في الحوارات والمداخلات التي تسلك طريقها من ينابيع الفكر وممرات التحليل واختلاف وجهات النظر. تعزز الفهم وتبادل الأفكار والآراء والمعرفة، وتقلص المسافات الرمادية التي يطغى عليها التعنت والغباء والجهل.
يقول الأولون، إن وضع قارورة الماء بالقرب من موضع الرأس عند النوم، يؤدي إلى «سرق الماء» أي ذهاب النظر وفقدانه. لذا وبناء على هذا المعتقد أبدلت الماء بثلاثة كتب أقرؤها، حتى يتزورني «بوساحة»، وهذه الكتب تتنوع بين العلمي، التاريخي والخرافي، فكتب الأساطير من أحب الكتب إلى نفسي لأنها تنتشلني إلى عوالم ووجهات نظر اختصرها التاريخ.
لقد جعلت القراءة عادة فأصبحت طبيعة ففي غياب الهواتف ومذهبات العقل الأخرى كنا نقرأ كل ما يقع بين أيدينا فأنا أذكر جيداً من طفولتي كيف كان في منزلنا كتابان يضعهم أبي - الذي كان أمياً حتى بادر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بنشر العلم ومحو الأمية بعد قيام الدولة-، فوق الكَبَتْ أحدهما «القرآن الكريم»، والكتاب الآخر «سيرة الزير سالم: أبوليلى المهلهل»، وأذكر جيداً أنه زارنا أحد أصدقاء والدي، وسمعته يقول في سياق حديثهما: «نحنا يابوعبدالله ندور الورقة اللي تطير في الهواء نبا نقرأ ونعرف ونتعلم». لم يخرج ذلك الرجل من منزلنا بأيٍ منها وظلت هذه الكتب عماداً لمكتبة دارنا، حتى انتقلنا من بيتٍ إلى آخر فجف الحبر وتلاشى الورق. مقولة ذلك الرجل لا زالت عالقة في ذاكرتي لاسيما عندما أرى كيف خصصت قيادتنا الرشيدة شهراً كاملاً للقراءة، ودعمت مبادرات الحكومة القراءة للصغير والكبير، وساندت الإبداع في مجالات العلم والدبلوماسية وحوار الآخر.
وكم أعجبت بأمير الشعراء أحمد شوقي الذي دأب على قراءة معجم لسان العرب بجميع أجزائه، وهو تلميذ يافعٌ بالمرحلة الثانوية، لذا انطلقَ بهمة الواثق وشجاعة الفارس وهو يسوق من اللغة العربية ومعطيات فكره النير ما جعله أيقونة عصره وزماننا.
للعارفين أقول، تباركتم بقراءة القرآن الكريم في شهر الله الفضيل علينا. أقرؤوا واجعلوا القراءة عادة بل طبعاً، وتذكروا مقولة جبران خليل جبران: «القراءة هي حديث الروح مع نفسها».