أفسِّرُ سقوط التفاحة الحمراء على رأس الفيلسوف بأنه زلزالٌ في الرأس الخرب. لكن سقوطها في حضن فتاة ريفية كانت تجلس قرب النهر بانتظاري، يعني أن الريح كانت تنقل رسائلي وصرخاتي من بعيد. الريح التي هزّت الأغصان هزاً وكأنها صوت رجل حاصرته المدينة بأسمنتها وضاع في شبكات الأنفاق والجسور، ولم يعد يعرف كيف يهتدي إلى طبيعته الأولى. حملتُ قلمي منذ الطفولة لأكتب رسالة إلى فتاةٍ ريفية تحملُ سلة التفّاح لتوزعه على الأطفال الذاهبين إلى الأمل، لكن قلمي لم يعرف كيف يكتب على زجاج ناطحات السحاب والنوافذ اللامعة، لم ترسم النوافذ سوى انعكاس وجه رجل يتنفس غبار الحضارة الجديدة وسطوعها المادي. بينما هناك في الريف قرب النهر، فتاةٌ تغني سعيدة. تحت قدميها يرقصُ العشب، ومن بين يديها يتفجر صوت الينابيع.
أبجِّلُ سيرة الضوء، بأن أرسم ثلاث نساء جميلاتٍ يحملن قمراً ويعبرن به داخل غابة المندسّين في العتمة. يتغير العشبُ تحت أرجلهن ويصيرُ فضياً، يمشين فيولدُ أمامهن درب اللانهاية فاتحاً أفقاً بعد أفق. القرودُ على الأغصان الهزيلة تصفّقُ لهن، ثم تتركُ الأفعى خبثها قليلاً لتجرّب أن تبتسم لأول مرة لكنها تظلُّ ملتوية. يسقط القمرُ من أيدي النساءُ الثلاث ويتهشّم إلى أقمارٍ صغيرة، فتتنفس الغابة وينبعثُ من التراب عطر فجرٍ قادم. تستيقظُ الطيور المرتجفة في أعشاشها ونسمعُ رفيف أجنحةٍ ترغب في التحليق إلى خارج حدودها الضيقة. ومع انبلاج هذا الصبح، يكون الضوء قد طرد الظلال المريضة كلها وأمر الوردة بالتفتّح وصار لحناً في وضوح الأرض والسماء.
أمدحُ الأزرق الشفّاف، بأن أرسم على رمل الشواطئ البكر كلمة (هنا)، داعياً الطفل في داخلي ليلعب بعيداً عن حرّاس الضمير الحر. كأن يركض على الخط الفاصل بين التراب والماء، بقدمٍ حافيةٍ هنا وقدمٍ حافيةٍ هنا، ويعودُ سالماً. وكأن يرى فتاة صغيرة فيدخلان البحر معاً ويؤسسان لفكرة الاكتشاف ولا يعودان أبداً. ما أروع أن يختفي المرء في الزرقة الراقصة وتصير سيرته مجرى وذكراهُ رقصَ موجٍ وخرير ماء.
أبجِّلُ وأمدحُ وأفسّرُ المعنى الذي لا يلتفت إلى معناه أحد. كأن أرمي المفاتيح في النار حين أغضب من صدأ الباب. وكأن أقود دراجتي الهوائية وهي بلا مكابح، نازلاً من منحدر شاهق والناس تطالبني بالتوقف خوفاً من اصطدامي بالريح.