في العيد المجيد، تبدو الجهات الأربع وكأنها تضم الأيدي متشابكة في مشية نحو السلام، تشبه تلك الخطوات التي تنحتها أقدام ملائكة ترسم صورة العالم قبل الانهيارات العقلية، وقبل انضمام النفوس إلى قافلة من الضيم والظلم، وتفكك ملاءة الحب.
في العيد المجيد نتذكر كلمات المسيح عليه السلام، القائل: الحقيقة هي مرآتك، ولكن ما الحقيقة؟ إنها التأمل، ولكن ما التأمل؟ إنه مرأتك الصافية، ومن دون غبار.
في العيد المجيد تصعد الأرواح إلى السماء، لتقرأ ما في السماء من نجوم غافية على مهد البراءة، وعفوية الأحلام.
في العيد المجيد، تبدو الحالة البشرية تستعيد ذاتها، وتبدو الرؤية أكثر صرامة في تناول العلاقة ما بين الإنسان وضميره، والذي طالما احترقت أوراقه جراء اللظى المتفشي في عالم خيب آمال الرسل والأنبياء، وأصاب رأس ابن رشد بصداع مزمن، وهو القائل منذ فجر التاريخ (إن الأديان جميعها صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها) ويا له من فيلسوف وفقيه، تدرب على تنقية القلب من شوائب الزمان، واستطاع أن يخرج للعالم بنظرية، قل أن ينطق بها فيلسوف قبله، أو بعده، لأن هذا الفقيه لديه من ملكات الاختراق لما بعد الواقع، والوقيعة، لديه أحلام تجاوزت حدود اللامنطق واستقرت عند مرفأ التصالح مع النفس، والنفس تحتاج دوماً إلى محيط فسيح، تغسل فيه معطفها من متخلفات الأفكار المسبقة، ومن عقدة الكل ضد الكل، كما ذكر الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز.
في العيد المجيد تحضر الذاكرة، وتتجلى الذهنية، بمجريات ما طاف على العقل من مزق شتتت أحلام الأنبياء، والأولياء الصالحين، مجريات كسرت عصا الطاعة للعقل الموزون بماء الذهب، حتى مادت الأرض، ومارت الجبال، وتخلت أغصان الشجر عن أثمار الحب، واكتست شطآن الروح برثاثة الطامعين بحدب يخالف المنطق، ويتجاوز حدود العقل، مما أدى إلى حدوث ذلك الجهم المريع في علاقة الإنسان بالإنسان.
ولكن وبرغم كل التشققات، ورغم كل التمادي في تمزيق القماشة الحلوة، فإن من هذا البلد العظيم، من عقول الأصفياء والنجباء برزت الحكمة القائلة: السعادة والاستقرار والازدهار لشعوب العالم قاطبة.
وكيف لا يحدث هذا، والإمارات اليوم تقود القافلة الإنسانية نحو مضارب الأحلام الزاهية، وتضيء سماوات الدنيا بمصابيح الحب، الحب الذي أصبح اليوم في بلادنا سجادة من حرير المشاعر المنقاة من الدرن، ومن العبوس، وتجهم العقل.
في العيد المجيد تخفق فراشات الجمال، منبثقة من بساتين الضمائر الحية، من هنا، من هذه الأرض، من ترابها الذي داست عليه أقدام الباني المؤسس، فأنبت الزرع، وترعرع الضرع، وصارت الصحراء مملكة للحب، صارت الصحراء تكتب تاريخها بأنامل الذين عشقوا الحياة، فزخرفوها برونق المشاعر النابضة، الحية، المزدهرة بابتسامات كأنها الوريقات ساعة تفتحها، وكأنها الموجة لحظة إغداقها العالم بوشوشة في ثناياها همس القوافي، ودوزنت الموسيقى في باطن الأشياء الجميلة.