كتب روائي أعمى قصة عن ثلاث نساء أحببن رجلاً واحداً اسمه: الوهم. كانت الأولى تجلس على قارعة الطريق وفي يدها رزمة من ورد ذابل ظناً أنه سيمرُّ يوماً من هنا ولا داعي للبحث عنه في المصادفات. أما الثانية فعاشت تكتب له الرسائل ليلاً وتعلّقها على حبل الغسيل في الصباح، لكن حروفها كانت تتبدد في المطر والريح. بينما الثالثة، وهي في الأصل تؤمنُ بالخرافة، فقد رأته آلاف المرات في فناجين العرافات وقارئات الكف، حتى أنهن أخبرنها باسمه ورسمه.
كان هذا الروائي يحمل مخطوطة قصته هذه، ويجلس كل يوم على قمة جبل بحثاً عن نهاية سعيدة لها إلى أن اختفى، وقيل أيضاً إن النسور التهمت أوراقه المتبقية.
المرأة التي عاشت تفتّش عن خاتمها المفقود في الرمل، هي في الحقيقة كانت تبحث عن فكرة لا تندثر مع مرور الزمن. كلما عبرت في مكانٍ، محت الريحُ آثارها. كلما غنّت لطائرٍ، فرّ في الترحال والهجرات البعيدة. ستحتاج هذه المرأة إلى لحظة كشفٍ عظيمة كي تُدرك أن الخاتم المفقود، موجودٌ في قلبها.
ببقايا طباشير، وأحياناً ببقايا فحم، كانت ابنة الحي الفقير ترسم على الجدران صور خيالاتها المستحيلة. مر علماء نفس وقالوا: إنها تعبّر عن كبتٍ دفين وتوقٍ للحرية. مر الفيلسوف ووصف رسوماتها بأنها: صرخة الجمال المحض. أيضاً مر شعراء والتقطوا صورة جماعية مع تلك الرسوم، وكتبوا قصائد عن الفتاة التي هدمت الأسوار والجدران لأنها رسمت النوافذ مفتوحة والطائرات الورقية متحررة من خيوطها. أخيراً جاء المتزمتون وأعادوا طلاء الجدار بلونٍ واحد فقط خوفاً من أن يتشتت المعنى ويكون هناك اختلاف في الرأي والتفسير.
أعرف سيدة عاشت طوال عمرها تحلم بكتابة القصيدة. كانت تملأ غرفتها بالأوراق وتتقلب فوق بياضها الناصع. كلما خطّت حرفاً، وجدته يعكّر صفو هذا النقاء العظيم وراحت تمسحه من جديد. وسوف يمر العمر، قبل أن تُدرك أن حياتها يمكن أن تكون أروع قصيدة لو أنها رمت هذه الأوراق في النهر وقفزت لتركض وراء أحلامها. لأن الشعراء سيدوّنون بالتأكيد سيرة عناقها لمعنى الحرية وقصة زواجها من الرجل الذي اسمه: الأمل.
يوماً، دخلت المرأة إلى السيرك ورأت الرجل يمشي على الحبلين، والرجل يروّض الأسدَ لكنه يخاف من الظلال، والرجل الذي يُضحك الجمهور لكنه حزينٌ في أعماقه. وحين خرجت، أدركت أن الحياة هي السيرك الكبير.