عندما يفقد الضمير الإنساني بوصلة الردع القيمي، وعندما تتنحى العقائد عن دورها الديني الصحيح، وعندما تصبح المشاعر نشارة خشب، وعندما يتولى العقل ويدبر، ويصبح مجرد كيس بلاستيكي مملوء بحثالة أزمنة العدمية، وعندما يكون الحقد مقوداً للعقل، والكراهية عربة تذهب بالإنسان نحو غايات أشبه بحنين الضواري إلى الدماء، عندما يحدث كل هذا فلا مجال للتمييز بين البريء والمذنب، ولا مكان لمعايير العقل الصحيح المعافى من أدران العبثية.
ما حدث في مدينة ماغدبورغ الألمانية إنما هو ذلك السيف الدموي الذي يحمله كائن أعمى، فقد القدرة على التفكير، وأصبحت العتمة تسلط سوادها الدامس على عينيه، وأذنيه، وقلبه، وعقله، الأمر الذي دفعه لأن يدخل بهمجيته إلى ذلك السوق التجاري الذي يرتاده، من ذهب ليكسب لقمة لأبناء ينتظرون عودته بأحر من الجمر، أو طفلة رافقت ذويها لابتياع لعبة تلهو بها، وتعبر بها عن عفويتها الطفولية، أو امرأة ذهبت لذاك السوق كي تشتري كنزة الشتاء القارس، ولكن الكراهية أبت إلا أن تحول البراءة إلى سعار جهنمي، يغشي عيني القاتل، ويعمي بصره عن رؤية هذه المشاهد الإنسانية الحالمة بحياة زاهية مشرقة بالحب لكل ما هو طبيعي.
لقد شهد العالم أمثلة عديدة على هذه الحادثة، الأليمة، لأن البطش الشوفيني، المدمي بمشاعر كأنها الصقال القواطع، يجعل من حياة الإرهابي بلا جدوى، طالما لم يعمل بكراهية ضد الآخر، وطالما تقاعس عن تأدية رغبة الأنا في نشر الرعب، وسفك دماء الأبرياء، وقتل الحياة برمتها، وتحويل أوطان الناس إلى مستنقعات لتكاثر عناصر الموت، وتراكم الأحقاد، وتضخم الكراهية.
هكذا يفكر الإرهابي، وهكذا تسير الأمور عند من فقد البصر، والبصيرة، وعند من نالت منه حالة البغض ما نالت، وقد أحرقت الأوراق الخضراء في ضميره، وحولت صدره إلى غابة تعيث فيها الوحوش، والضواري، فتنشر فسادها، وخبثها، وغيها، وغليانها، وغلوها، لماذا كل هذا يحدث في عالمنا الذي أمدّته الحضارة بكل ما هو جميل، وكل ما هو نعيم، وكل ما هو حبل للنجاة من رثاثة الجاهلية الأولى؟ لأن بعض العقول لم تزل تغتسل في المياه الغثة، ولأن بعض الضمائر لم تزل تغوص في بحيرات مغلقة، اسمها العقول الداكنة، والتي لم تخرج بعد من غياهب العزلة، وكل ما يتعلق في محيط الأنا المتورم وكأنه القيح في جسد مريض. مرة أخرى نقول لماذا يحدث هذا؟
في حقيقة الأمر، هناك جهل مريع في الفهم، وهناك سذاجة مريرة لدى البعض في التعاطي مع الأديان، ومع الحقائق السياسية، والثقافية التي تجري على الأرض، وهذا ما يجعل الإرهاب يتعثر دوماً بالجهل، وعندما ينهض، فإنه يتكئ على الأكاذيب والافتراءات على الأديان، والناس.