تنظر إلى الأشجار، فتراها ترصد النجمة، وتطالع خطوات الغيمة المتناثرة مثل مخدة قطنية تخلصت من أحشائها، تنظر إلى السماء فتجد الطير يصفق للشتاء، ويرفع النشيد عالياً، ويقوم بقفزات بهلوانية تعبيراً عن بهجته بفصل كأنه فاصلة في نهاية جملة، في رواية رومانسية، ذات وشائج شاعرية مهيبة.
تنظر إلى الشارع، فتفرح عندما تشاهد مرتادي هذه القناة الفسيحة الممتدة على أديم الأرض كأنها سجادة مخملية، يمسكون بأواصر القيادة بشكيمة حالمة، ومشاعر يعمها السلام النفسي، ووجوه كأنها وريقات الورد في عز ربيعها، فتفكر، وأنت تتأمل هذا المشهد الرهيب، هذا الواقع الاجتماعي المزخرف بجمال السلوك، وحسن الوصال بين السائقين الذين تترافق مركباتهم كتفاً بكتف، من دون أن تسمع كلمة تؤذي المشاعر، ولا نظرة عابسة تغير مجرى الدم في العروق، والحركة عصبية تجعل من المركبة التي يقودها سائق ما، كأنها في حلبة سباق عشوائي.
تقف على الرصيف، وتظل تراقب عن كثب، ماذا يحدث في الشارع من منمنمات رائقة، وفسيفساء لونية، جامحة، وكائنات تحسب أنها من تلك التي تزور الأرض قادمة من فضاءات العلا، تأخذ نفَساً عميقاً، وتظل تنصت لصوت طائر مر من حولك، حاملاً رسالة من عالم آخر، فحواها أن في شتائنا سحر الحفاوة، وارتقاء المشاعر، ورونق الإحساس بأهمية أن يتخلق الإنسان بأخلاق الطبيعة عندما تكون الطبيعة كتاباً مفتوحاً لعالم ما بعد الفوضى العارمة التي تهز وجدان العصبيين، والمتهورين، والذين يتقلبون حسب تقلبات الطقس، تشعر بأن شتاء الإمارات أجمل من لوحة عالمية اكتست روح السيريالية العجيبة، تشعر بأن شتاءنا، ثري بجمال النسمات التي تلامس خداً وجيداً وتجعل من الثغور كأنها إشراقات لنجوم خرافية، وابتهالات لعيون رقصت رموشها كأنها أهداب حرير سحرية.
في شتائنا تبدو السماء كأنها سبورة صباحية، كتب عليها صباح الإمارات، المنعم بجمال الأحلام الزاهية، صباح الإمارات الباذخ بابتسامات طفولية كما هي الموجة وهي تتزحلق على أكتاف خليج أغر.
في شتائنا، أشواق قديمة، تتدحرج على سفوح أفئدة، تجعلها تميل كالجبال، وتهرع المشاعر حاملة جذوات لأضواء تسلط شمعاتها على ذاك زمان قيل إنه ولى، ولكنه في الحقيقة، لم يزل يقبض على جمرات التذكر، ويشيع خبراً في الذات، بأن المجبولين على التعلق بأزمانهم، ليسوا في منطق الفكاك، ولا الفراق، ولا نسيان ما كان في الجوهر، موجة، تحرك المكامن، وتفضي إلى غايات أجمل من الحاضر، وأنصع من الواقع، وأروع من قافلة من المعطيات الآنية.
شتاؤنا، يبدو أنه مثل أي كائن تتجلى فيه الجمالية عندما تتخلص الطبيعة من سطوة الصيف، وميوعة الخريف، وبلاهة الربيع، فيأتي الشتاء، ليلبس الأرض قميص الرفاهية، شفافاً، رائقاً، يفيض بترف الأيام المنيعة ذات اللحظات المنبثقة من بوح الطير، وحفيف الغافة، وأغنيات البحر، تترنم على شطآن التذكر، الذاكرة، معجم، بأبجدية لونها كلون الإنسان على هذه الأرض، لون التراب، وصفاء الصحراء، وسمر الليل الجميل، حيث الألفة هي قيثارة، ووتر.