مش ملاحظين أن الكذب كثر مع وسائط التواصل الاجتماعي، الناس ما صدقت أنها يمكنها أن تكذب دون أن يراها أحد، ولا يواجهها أحد لحظتها وجهاً لوجه، لتقول للكذاب: أنا سأتبعك حتى باب الدار، وأن كل من سمعها ورآها لا يمكنه أن يحتج ويغير الحال، حتى ولا واحدة من النساء القويات يمكنها أن تعترض، وتقول: يالله بالستر! وأصبح العالم في هذه الوسائط جلهم مؤلفون لقصص خيالية وتشويقية في كل مجال، بعضها يصلح لأن يكون فيلماً هوليوودياً مقترحاً، لا تعرف من أين أتت كل هذه المواهب فجأة، وصارت ملء السمع والبصر، وكل يوم هناك قصة لأكثر من حدث، والجماعة كلهم جاهزون للكذب وتوليف القصص، وخلق مهرجان للحكايات، ولا أستثني أحداً من محبي البهرجة والظهور الإعلامي الفارغ!
لماذا لا يكون الإصلاح من الداخل وبفعل من الذات في كل المواقع التي نكون مسؤولين عنها؟! لماذا ننتظر أن تأتينا «هزبة» أو توجيهاً لنصحو، ونحاول أن نلملم ما فرط منا، وتعجيل الأمور وتصحيحها، لأن العين أصبحت علينا؟! التصحيح من الخارج هو آخر المطاف، لكن التصحيح من الداخل هو أول خطوة في المطاف أو المصاف الصحيح!
لا ينفع التبرير المؤدلج أو المدبلج، ولا ينفع رص جمل الحكمة ومقولات الحكماء في مواضيع هي اليوم عارية ولوحدها في الشارع، لا ينفع أن نقدم القلم، وقد قال السيف حكمه، ولا ترجى الشفاعة فيمن فرّط في الطاعة، قد خاب كل الأولين، وسيخيب كل الآخرين ممن حاربوا الشعب، ولم يحبوا الشعب، وقاسموه اللقمة، ولم يقسموا معه الخير، للتاريخ كلمته الأولى والأخيرة، ولكنْ قليل من يتعظ، وقليل من ينصت لصوت الحكمة، ومعنى الشرف الوطني، لذا ما أسرع الدفن، وما أبسط النبش، وما أسهل السحل! قليل من الشعوب في العالم بأرجائه من يسمح بنصب دائم في القلوب قبل الميادين، ويكون له ذلك التقديس الذي يسبقه الحب، وذاك الود الذي يعني بساطة الصدق! لذا سيبقى تمثال «تشرشل» يحكي ويتذكره الناس، وتمثال «غاندي» يحج له الهنود، وتمثال «مانديلا» رمز الحرية والمقاومة، وقداسة القائد حين يعرف الصبر، ويمجد الإصرار، ويصنع وطناً من الإنسان.
أسوأ خيبات الأمل التي لا تغتفر أن يسخو شخص بأسرار استودعتها صدره الخاوي مثل طبل فارغ، وأسكنتها رأسه الذاوي مثل شجرة عسجد، فلا تسمع منه إلا ذاك القرع والنقر على دف أسرارك التي قلدتها كوشاح حب على صدره الذي بلا قلب! ولا تثمر فيه كل تلك الأشياء التي سقيتها بدمع عينك، وزرعتها بطيب اللقيا، وبشاشة المُحيا، وأشياء جميلة لا يدركها إلا من حب وغنى، وفي هزيع الليل سجد وصلى، خلاصة القول: ليس كل الناس يمكن أن يُفتدى، ويمكن أن يُقتدى، ويمكن أن تجلسه على رأس غصن يتثنى!