ينام النهر ويسير بهدوء، ولكن قد يفيض يوماً، ويخرج عن مساره، ويقتلع من يعترض طريقه، قد يكون البحر هادئاً وصافياً وجميلاً، يخاتل الوقت زمناً طويلاً، ثم فجأة يثور ويقتحم الحواجز ويبدل الأحوال، هذه صيرورة الحياة. بالتأكيد الفروق واضحة وكبيرة بين النهر والبحر، حتى وإن جمعهما اللون والماء، ولكن قد يكون الاختلاف واسعاً وكبيراً بين نهر يمكن أن يتعكر فيه الماء، وبحر قد لا يحدث له مثل تلك الحالة، قد تشاهد النهر يوماً مختلفاً عن البحر، قد يظهر اللون البني العكر، ولكن البحر ثابت عند لونه الأزرق.
النهر قد تعبره المراكب الكبيرة، ولكن بالتأكيد لا يمكن أن تسير فيه الناقلات العظيمة، ولا ترتفع فيه الأمواج كالجبال، البحر مالح وصعب أن تنال منه قطرة ماء تروي به عطشك إلا بعد اشتغال وتحويلات ومعدات وآلات للتحلية.
النهر لا يمكن أن يخرج منه الملح، وحده البحر يمكن أن نحصل منه على الماء العذب القراح، وأيضاً الملح، لذلك نردد العبارة الخالدة، «إذا فسد الملح فسدت الحياة». البحر وحده رمز الحياة والتحوّل والتغيير، حتى وإن شاركه النهر في ذلك، ولكن البحر هو الأهم على الأقل في نظري. البحر عندما يثور يمكن أن يزيل كل شيء، النهر قد يفعل شيئاً من ذلك في مناطقه المحددة والمنظورة، ولكن بعد غضبه واجتياحه قد تعود وتنبت نفس الأشجار والغابات. البحر عندما يغضب ويثور، ويجتاح كل شيء لا تنبت الأعشاب نفسها، وإنما تظهر حياة جديدة ومدن وقرى جديدة، وربما ناس جدد في التفكير.
أعشق البحر لتلك الخاصية العظيمة، بعضهم تتلبسه حياة النهر، يعتنقها وينفذها في واقعه وزمنه ومستقبله، والآخر يؤمن بحياة البحر ورمزيته، يسعى إلى ترجمتها وتنفيذها في واقع حياته ومسيرته.. قد يسكنك النهر والبحر معاً، وتظل متأرجحاً بين هاتين الحالتين، أنت المعطاء الجميل، عذب الحديث والعمل والاشتغال على الحياة، وقد تصعد أمواجك، وقد تجاري الريح عند هبوبها، أو تخرج عن مسار دربك وطريقك الممتد والمتدفق، تحطم المسار ويفيض النهر عن مجراه وطريقه، ولكن بعد حين تعود الحياة كما كانت خضراء زاهية ومزهرة بالورود، ولكن إن تحولت إلى بحر غاضب وهائج ومدمر، فإنّ الكثير قد يتهدم، ولن يعود كما كان بالتأكيد، سوف تظهر حياة جديدة، ورؤية جديدة، وربما نهج جديد. أشياء كثيرة حولنا الآن بين حياة النهر والبحر.