كم كان الأمس يوماً جليلاً بحضوره، وطيب مقامه، وتلك التغرودة المنبعثة من القلوب والحناجر في شف الوطن والقائد، ولعلها من الأمور الحميدة، والأشياء الجميلة التي تتكرر كل عام، وبالتوازي مع احتفالات الدولة بيومها الوطني، أن تقام مسيرة راجلة مرة في الطريق من قصر المنهل إلى قصر الحصن، ومرة في مهرجان الشيخ زايد للتراث في الوثبة، وربما في قادم الأيام تتكرر في أماكن مختلفة من الإمارات، فنراها في الفجيرة مثلاً، ومرة في أم القيوين، وأخرى في «سيح سديرة»، حيث شهد ذاك المكان أول انبثاق ضوء الوحدة والاتحاد والمسيرة الخيّرة لدولة الإمارات بين زايد وراشد، عليهما شآبيب الرحمة، وكثير المغفرة، أو من بيت الشيخ زايد القديم من قلب العين إلى قصر المقام حين توقفت الجماهير يوماً مناشدة وعازمة ومعاضدة للشيخ زايد رئيس الدولة بالعدول عن قراره، وعدم التنحي؛ لأنه القائد المؤسس، رجل الخير والبركة والمشروع الاتحادي الكبير، ومواصلة مسيرة الاتحاد الخيّرة، حلمه وحلم الناس، وأنه فوق كل الصعاب، ومذلل ما يعجز عنه الرجال، يومها ولأول مرة أشهد ترقرق الدمع في عيني ذلك الرجل التاريخي الاستثنائي، لقد كان ذاك الدمع جراء ما رأت عيناه مقدار الحب، وعظمة الود وصدق الرجال المتقاطرين من كل مكان في مسيرة تشبه مسيرة الاتحاد اليوم، كانت عفوية وصادقة انطلقت يومها ماشية من جامعة الإمارات للمقام.
هذا اللقاء السنوي الذي يجمع كل أبناء الإمارات وقبائلها التي هي المكون الأول والأساسي للدولة والوطن، والذي اختصره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بجملة كاملة مانعة «الإمارات هي قبيلتنا» في محاولة خلق ذاك التوازن الحضري والعصري والتقارب ما بين القبيلة المكون الرئيس للمجتمع، وبين الدولة ككيان ومكون مدني وقانوني.
ما يفرحني وجود هذا العدد الكبير من المشاركين صغاراً وكباراً في ذاك الحضور الملحمي للناس، وأشياء من تقاليد قديمة، وموروث مجتمعي، تفرح بذاك الصبي الذي يعتمر عمامته، مثلما هي العمائم تيجان العرب أو يتمنطق بخنجره الإماراتي، وفي يمناه عصا من عصيّ الأولين أو يتزين بمحزمه على بطنه وصدره أو يلوي خزامه على رأسه، هي أشياء من ذاك الزمان وحضرت بالأمس متجليّة في تلك الحشود الكبيرة من أبناء الوطن في مسيرة الاتحاد التي ليست هي تجديد للولاء، لأن الولاء قائم ودائم، وليست برهان القسم بحب الوطن، لأن الحب هو الوطن، وما عداه هي التفاصيل.
كلمة حق وواجب شكر لديوان الرئاسة، ولذلك الرجل الذي يضيء سماءنا بأشياء جميلة وسعيدة ومفرحة، وعلى مختلف الأصعدة، سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان الذي يعجز الشكر عن شكره، ولسمو الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان التي تضع من لمساتها في تلوين فرحنا، فرح الوطن والناس، وتترك شيئاً من رائحة الوطن دوماً في أي مكان تُعنى به، وتعتني فيه، فلا تعرف أن تقدم لها الشكر أولاً أم الثناء؟ أم تلك الدعوات الرطبة؛ لأننا محظوظون بوجود رؤوس جميلة، وأيدٍ أمينة مثلها تزخرف أشياء الوطن الغالية.
مسيرة الاتحاد.. هي فرحتنا كل عام حين يزهو الوطن بكل منجزاته وناسه، هي مسيرة سلف تيجان الرؤوس، يتعهدها خلف هم عمائم الرؤوس.